كل تلك المسببات . ولم يكن مثل هذه الحقيقة ليخفى على علي بن الحسين السجاد عليه السلام الذي كان يومذاك في عمر الرجال ، وقد بلغ ثلاثا وعشرين سنة وكان ملازما لأبيه الشهيد منذ البداية ، وحتى النهاية . فكان حضوره مع أبيه عليه السلام وحده دليلا كافيا على روح النضال مع بطولة فذة ، تمتع بها أولئك الشجعان الذين لم ينصرفوا عن الحسين عليه السلام . ثم هو - كما تقول تلك الرواية - قد شهر السلاح ، وقاتل بالسيف ، حتى أثخن بالجراح ، وأخرج من المعركة وقد ارتث . وإذا كانت هذه الرواية - بالذات - زيدية ، فمعنى ذلك تمامية الحجة على من ينسب الإمام زين العابدين عليه السلام إلى اعتزال القيام والسيف والنضال . ثالثا : مضافا إلى أن حامل هذه الروح ، قبل كربلاء ، لا يمكن أن يركن إلى الهدوء بعد ما شاهده في كربلاء من تضحيات أبيه وإخوته وأهله وشيعته ، وما جرى عليهم من مصائب وآلام ، وما أريق من تلك الدماء الطاهرة . أو يسكت ، ولا يتصدى للثأر لأبيه ، وهو ثار الله ، مع أنه لم ينسهم لحظة من حياته . فكيف يستسلم مثله ، ويهدأ ، أو يسالم ويترك دم أبيه وأهله يذهب هدرا ؟ إذ لم يبق من يطالب بثأر تلك الدماء شخص غيره . فإذا كان - كما يقول البعض : - ( مصرع الحسين عليه السلام في كربلاء هو الحدث التاريخي الكبير الذي أدى إلى بلورة جماعة الشيعة ، وظهورها كفرقة متميزة ذات مبادئ سياسية وصبغة دينية ( أكثر وضوحا وتميزا مما كانت عليه في زمان أمير المؤمنين عليه السلام وقبله ) . وكان لمأساة أثرها في نمو روح الشيعة وازدياد أنصارها ، وظهرت جماعة الشيعة ، بعد مقتل الإمام الحسين عليه السلام ، كجماعة منظمة ، تربطها روابط