تراق منهم ! بينما لا يحسبون لذلك الجرح الذي أثخن به الإمام عليه السلام في كربلاء ، وذلك النزيف من الدم والدمع الذي أريق منه على أثر وجوده في الساحة ، قيمة وأثرا ؟ ! مع أن الآلام التي تحملها الإمام عليه السلام في جهاده ، ومن خلال جهوده العظيمة ، والأخطار التي اقتحمها في سبيل إنجاح مخططه ، أكثر ألما ، وأعمق أثرا ، من جرح ظاهر يلتئم ، وقرح يندمل ! لكن الإمام السجاد زين العابدين عليه السلام ظهر على الساحة ببطولة وشجاعة تختص به كإمام للأمة ، فتحمل آلام الجهاد وجروحه ، وصبر على آلام الجهود المضنية التي بذلها . وانفرد في الساحة في تلك الفترة الحالكة ، كألمع قائد إلهي في مواجهة أحلك الظروف وأصعبها ، وأكثر الهجمات ضراوة ، وأكثر الحكومات حقدا وبعدا عن الإسلام ، وباسم الخلافة الإسلامية . وخرج من ساحة النضال بأعمق الخطط وأدقها ، وبأبهر النتائج وأخلدها . وأما نحن - الشيعة في الوقت الحاضر - : فإنا نواجه - اليوم - حملة شرسة من أعداء المذهب ، مدعومة بحملة ضارية من أعداء الإسلام . ويشبه وضع التشيع في هذا العصر - في كثير من الجهات - ما كان عليه في القرن الأول ، إذ يعايش أجواء سياسية ونفسية متماثلة . فاليأس والقنوط يعمان الجميع ، حتى العاملين في حقل الحركات الإسلامية ، والمنضوين تحت ألوية الأحزاب والمنظمات والمجالس والمكاتب . والارتداد ، المتمثل بابتعاد عامة الناس عن خط الإمامة والولاية ، وفي ظروف غيبة الإمام عليه السلام ، التي معها تزداد الحيرة وتتأكد الشبهة . وتعدد الاتجاهات والآراء والأهواء ، التي اقتطعت أشلاء الأمة ، وفرقتها أيدي سبأ .