نام کتاب : جامع الشتات نویسنده : الخاجوئي جلد : 1 صفحه : 148
من معراج كل ذي معراج ، كيف لا وقد بلغ في معراجه إلى حيثما أخبر عنه سبحانه بقوله : * ( ثم دنا فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى ) * [1] أي : قرب فاشتد قربه فكان البعد بينهما قدر قوسين بل أدنى . والمقصود تمثيل ملكة الاتصال ، وتحقيق استماعه لما أوحى إليه بنفي البعد الملبس ، فيكون دنوه كناية عن رفع مكانته ، وتدليه عن جذبه بشراشره إلى جناب القدس ، وما حصل ليونس بن متى ولا لغيره من الأنبياء عشر أعاشير ما حصل له ( صلى الله عليه وآله ) . فالحق أن يجعل " إلا " فيه عاطفة بمثابة الواو العاطفة كما ذهب إليه جمع من الأدباء كالأخفش والفراء وأبو عبيدة والشارح الفاضل الرضي وابن هشام في المغني [2] وجعلوا منه قوله تعالى : * ( لئلا يكون للناس عليكم حجة إلا الذين ظلموا منهم ) * [3] وقوله : * ( لا يخاف لدي المرسلون إلا من ظلم ثم بدل حسنا بعد سوء ) * [4] أي : ولا الذين ظلموا ولا من ظلم ، فيكون من باب ذكر الخاص بعد العام ، تنبيها على زيادة الاهتمام ، ودفعا لما عسى أن يتوهم أن له ( صلى الله عليه وآله ) فضل وزيادة على جميع الأنبياء من جميع الجهات إلا على يونس فإنهما سيان في كونهما ذوي معراج ، فدفعه بأن قال ( صلى الله عليه وآله ) : فضلوني على الأنبياء وعلى يونس بن متى أيضا ، فإن معراجي إلى السماء ومعراجه إلى الماء ، وبون بعيد بينهما ، فهو من باب تشبيه المعقول بالمحسوس ، وليس الغرض خصوص العروج إلى السماء أو النزول إلى الماء ، بل المراد هو الإيماء إلى تفاوت ما بين المعراجين في حصول القدر والرتبة . وبهذا التقرير يمكن استفادة وجه آخر على تقدير إبقاء " إلا " على الاستثناء ، وهو أن يكون الغرض أن له ( صلى الله عليه وآله ) فضلا على جميع الأنبياء ومنهم يونس بن متى إلا في خصوص كونهما ذوي معراج من غير ملاحظة تفضيل أحد المعراجين على الآخر ، والوجه ما ذكرناه أولا ، فتأمل .