لهذا الكون ، خلَق الموجودات وأبدعها من العدم ، وأودع في كل موجود منها نظامه وقانونه ، ليقوم بواجبه ويؤدي الغرض الذي خُلق له بنحو دقيق وسير رتيب ونظام ثابت لا يتبدل ولا يتغير . ويقول المفكر الإسكاتلندي : ( كل إنسان يحمل في نفسه فكرة علمية وإن هذه الفكرة كافية لتكوين العقيدة بأن ثمة آلهة صانعة وخالقة للكون ) ( نشأة الدين 196 ) . الدليل الفلسفي إن أي شئ موجود بالبداهة ، إن كان واجب الوجود فهو المطلوب ، وإن كان ممكناً افتقر إلى مؤثر موجود بالبداهة ، فذلك المؤثر إن كان واجباً فهو المطلوب وإن كان ممكناً افتقر إلى مؤثر أيضاً ، فإن كان واجباً فهو المطلوب ، وإن كان ممكناً تسلسل . . والتسلسل باطل . * * أما المتكلمون فقد سلكوا طرقاً أخرى في البرهنة على وجود الله تعالى ، واعتمدوا فيها على المنهج العقلي الحر بعيداً عن النقل والتقليد . ومن جملة أدلتهم قولهم : إن الأجسام وما يجري مجراها حادثة ، والذي يدل على حدوثها واستحالة خلوها من المعاني المتجددة ، وما لم يخل من التجدد يجب أن يكون محدثاً ، فإذا ثبت حدوثها فلتقس على أفعالنا يعلم أن لها محدثاً . ومنها : العالم محدث كائن بعد أن لم يكن ، لأن جميعه فيه أثر الصنعة من طول وقصر ، وصغر وكبر ، وزيادة ونقصان ، وتغير من حال إلى حال ، واستبدال ليل بنهار . والله تعالى خالق ذلك ومنشؤه ومصوره ومبدؤه ، لأن المصنوع لا بد له من صانع ، والكتاب لا بد له من كاتب ، والبناء لا بد له من بان . * *