مرة بعد أخرى محالى . وفيه أولا : إن هذا الطور من الاستدلال إنما يكفي في إثبات أصل العلم فيه سبحانه ولا ينهض في إثبات علمه تعالى على نحو الإحاطة والعيان . والمطلوب أن علمه تعالى على نحو الإحاطة والعيان بعالم الشهادة وعالم الغيب . فإن الغيب عنده شهادة والسر عنده علانية . فلا يعزب عن علمه مثقال ذرة في السماوات والأرض . ولا يخفى عليه لحظات العيون ولا خطرات القلوب . وثانيا : إن بناء هذا الاستدلال بإحكام الصنع وإتقان التدبير من باب إثبات الأمر المجهول المشكوك وتحصيل القطع به ببرهان الإن . ونتيجة ذلك هو القطع والعلم الحصولي بكونه تعالى عالما . أما في الكتاب والسنة . فطريق معرفة علمه تعالى وغيره من النعوت ، هو التذكر بالفطرة والإرشاد بالآيات المذكرة . قال تعالى : أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت * وإلى السماء كيف رفعت * وإلى الجبال كيف نصبت * وإلى الأرض كيف سطحت * فذكر إنما أنت مذكر * لست عليهم بمصيطر . [1] أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم كيف بنيناها وزيناها وما لها من فروج * والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل زوج بهيج * تبصرة وذكرى لكل عبد منيب . [2] قوله : " وكيفية قدرته واستناد كل شئ إليه دلائل العلم . والأخير عام " . أقول : هذا هو الوجه الأخير من الوجوه الثلاثة الدالة على علمه تعالى . وهذا عام شامل لكل شئ ، سواء كان موجودا في الأعيان ، أو متعقلا في الأذهان ، وسواء كان جزئيا أو كليا . وسواء كان موجودا قائما بذاته أو عرضا قائما بغيره . لأن كل هذه الأقسام ممكنة وكل ممكن مستند إليه تعالى ، فيكون تعالى عالما به ولا يعزب