تمهيد : لا ريب في أنّ البحث وتبادل الآراء خير طريق لتبيين الواقع ، وكشف الحقيقة ، وتنوير الفكر ، ونشر العقيدة . . . وقد كان السُنّة الجارية لدى الأنبياء والأولياء وسائر المصلحين والعقلاء . . . وله أصول وقواعد وآداب ، كانوا ولا يزالون يلتزمون بها ويمشون عليها في كافّة مجالات المناظرة والجدل . وإنّ من أولى تلك القواعد والأصول - بعد رعاية الأدب واجتناب الهوى والتعصّب - هو التكلّم على ضوء الأدلّة المقبولة عند الطرفين ، واستدلال كلّ منهما بما ورد عند الطرف المقابل وما جاء عن طريقه وكان مقبولاً لديه . . . لأنّ هذا أقوى حجّةً على الخصم ، وأمتن استدلالاً في العقل السليم والمنطق الصحيح . ولقد دأب علماؤنا الأعلام منذ قديم الأيّام على اتّباع هذا الأسلوب في مؤلّفاتهم ومناظراتهم ، كما لا يخفى على الباحث الخبير ، وكان ذلك من أهمّ عوامل تقدّم المذهب الحقّ وإقبال الأمم عليه ، كما كان من أهمّ أسباب عجز الآخرين عن الجواب والردّ ، فما كان منهم إلاّ التسليم والإذعان ، أو الكذب والشتم والبهتان . لينظر المنصف إلى استدلالات مشايخ الطائفة وأساطين المذهب ، كالشيخ المفيد البغدادي ، والسيّد المرتضى الموسوي ، والشيخ الطوسي ، والعلاّمة الحلّي . . . ونظرائهم . . . ليجد صدق النيّة ، ونزاهة البحث ، ومتانة الاحتجاج القائم