ولأنه لو تحيز لكان جوهراً لاستحالة كونه عرضاً ، ولو كان جوهراً فإما أن ينقسم وإما أن لا ينقسم ، كلاهما باطل ، فإن غير المنقسم هو الجزء الذي لا يتجزأ وهو أحقر الأشياء ، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً . والمنقسم جسم وهو مركب والتركيب ينافي الوجوب الذاتي ، فيكون المركب ممكناً يحتاج إلى علة مؤثرة ، وقد ثبت بالبرهان القاطع أنه تعالى واجب الوجود لذاته ، غني عن كل ما سواه ، مفتقر إليه كل ما عداه ، سبحانه ليس كمثله شيء وهو السميع البصير . هذا وقد خذل الله أقواماً أغواهم الشيطان وأزلهم ، اتبعوا أهواءهم وتمسكوا بما لا يجدي فاعتقدوا ثبوت الجهة تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً ، واتفقوا على أنها جهة فوق إلا أنهم افترقوا فمنهم من اعتقد أنه جسم مماس للسطح الأعلى من العرش ، وبه قال الكرامية واليهود ، وهؤلاء لا نزاع في كفرهم ، ومنهم من أثبت الجهة مع التنزيه ، وأن كونه فيها ليس ككون الأجسام وهؤلاء ضلال فساق في عقيدتهم ، وإطلاقهم على الله ما لم يأذن به الشارع . ولا مرية أن فاسق العقيدة أقبح وأشنع من فاسق الجارحة بكثير سيما من كان داعية أو مقتدى به . وممن نسب إليه القول بالجهة من المتأخرين أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن تيمية الحراني الحنبلي الدمشقي من علماء القرن الثامن ، في ضمن أمور نسبت إليه خالف الإجماع فيها عملاً برأيه وشنع عليه معاصروه بل البعض منهم كفروه ، ولقي من الذل والهوان ما لقي ، وقد انتدب بعض تلامذته للذب عنه وتبرئته مما نسب إليه وساق له عبارات أوضح معناها ، وأبان غلط الناس في فهم مراده ، واستشهد بعبارات له أخرى صريحة في دفع