ولقد قال ذلك القول الذي ينقده ابن الجوزي القاضي أبو يعلى الفقيه الحنبلي المشهور المتوفى سنة 457 وكان مثار نقد شديد وجه إليه ، حتى لقد قال فيه بعض فقهاء الحنابلة ( لقد شان أبو يعلى الحنابلة شيناً لا يغسله ماء البحار ) وقال مثل ذلك القول من الحنابلة ابن الزاغوني المتوفى سنة 527 وقال فيه بعض الحنابلة أيضاً ( إن في قوله من غرائب التشبيه ما يحار فيه النبيه ) . وهكذا استنكر الحنابلة ذلك الاتجاه عندما شاع في القرن الرابع والقرن الخامس ! ولذلك استتر هذا المذهب حتى أعلنه ابن تيمية في جرأة وقوة . . . ونرى هنا أنه يجب أن نذكر أن ادعاء أن هذا مذهب السلف موضع نظر ، وقد نقلنا رأي ابن الجوزي في ذلك الرأي عندما شاع في عصره . ولنا أن ننظر نظرة أخرى وهي من الناحية اللغوية ، لقد قال سبحانه : يد الله فوق أيديهم ، وقال : كل شئ هالك إلا وجهه . أهذه العبارات يفهم منها تلك المعاني الحسية ، أم أنه تفهم منها أمور أخرى تليق بذات الله تعالى ، فيصح أن تفسر اليد بالقوة أو النعمة ، ويصح أن تفسر الوجه بالذات ، ويصح أن تفسر النزول إلى السماء الدنيا بمعنى قرب حسابه ، وقربه سبحانه وتعالى من العباد . إن اللغة تتسع لهذه التفسيرات ، والألفاظ تقبل هذه المعاني ، وكذلك فعل الكثيرون من علماء الكلام ومن الفقهاء والباحثين ، وهو أولى بلا شك من تفسيرها بمعانيها الظاهرة الحرفية والجهل بكيفياتها كقولهم إن لله يداً ولكن لا نعرفها ، وليست كأيدي الحوادث ، ولله نزولاً وليس كنزولنا إلى آخره ، فإن هذه إحالات على مجهولات لا نفهم مؤداها ولا غاياتها !