قال : فأخبرني ما جوهر الريح ؟ قال : الريح هواء إذا تحرك يسمى ريحاً ، فإذا سكن يسمى هواء ، وبه قوام الدنيا ، ولو كَفَّت الريح ثلاثة أيام لفَسَدَ كل شئ على وجه الأرض ونَتَنَ ، وذلك أن الريح بمنزلة المروحة ، تذب وتدفع الفساد عن كل شئ وتُطَيِّبُهُ ، فهي بمنزلة الروح إذا خرج عن البدن نَتَنَ البدن وتغير ، وتبارك الله أحسن الخالقين . قال : أفتتلاشى الروح بعد خروجه عن قالبه أم هو باق ؟ قال : بل هو باق إلى وقت ينفخ في الصور ، فعند ذلك تبطل الأشياء وتفنى ، فلا حسٌّ ولا محسوس . ثم أعيدت الأشياء كما بدأها مدبرها ، وذلك أربع مائة سنة يسبت فيها الخلق ، وذلك بين النفختين . قال : وأنى له بالبعث والبدن قد بلى ، والأعضاء قد تفرقت ، فعضو ببلدة يأكلها سباعها ، وعضو بأخرى تمزقه هوامها ، وعضو قد صار تراباً بني به مع الطين حائط ؟ قال : إن الذي أنشأه من غير شئ ، وصوره على غير مثال كان سبق إليه ، قادر أن يعيده كما بدأه . قال : أوضح لي ذلك ! قال : إن الروح مقيمة في مكانها ، روح المحسن في ضياء وفسحة ، وروح المسئ في ضيق وظلمة . والبدن يصير تراباً كما منه خلق ، وما تقذف به السباع والهوام من أجوافها ، مما أكلته ومزقته ، كل ذلك في التراب محفوظ عند من لا يعزب عنه مثقال ذرة في ظلمات الأرض ، ويعلم عدد الأشياء ووزنها . وإن تراب الروحانيين بمنزلة الذهب في التراب ، فإذا كان حين البعث مطرت الأرض مطر النشور فتربو الأرض ، ثم تمخضه مخض السقاء ، فيصير تراب البشر كمصير الذهب من التراب إذا غسل بالماء ، والزبد من اللبن إذا مخض ، فيجتمع تراب كل قالب إلى قالبه ،