" لا تكونوا لعانين " وقوله صلى الله عليه وآله وسلم : " لا ينبغي لصديق أن يكون لعانا " [1] . قلنا : هذا وارد في النهي عن اتخاذ اللعن خلقا بسبب المبالغة فيه والإفراط في ارتكابه بحيث ينجر إلى أن يلعن اللعان من لا يستحق اللعن - كما حكى ذلك ابن الجوزي عن خط القاضي أبي الحسين محمد بن أبي يعلى بن الفراء [2] . وليس فيه النهي عن لعن المستحقين ، وإلا لقال صلى الله عليه وآله وسلم : لا تكونوا لاعنين ، ولا ينبغي لصديق أن يكون لاعنا ، فإن بينهما [3] فرقا يعلمه من أحاط بدقائق تصاريف لسان العرب . وأما نهي علي عليه السلام أصحابه عن لعن أهل الشام ، فإنه عليه السلام كان يرجو إسلامهم ورجوعهم إليه ، كما هو شأن الرئيس المشفق على الرعية ، ولذلك قال عليه السلام : " قولوا : اللهم أصلح ذات بيننا وبينهم " . وهذا قريب من قول الله تعالى في قصة فرعون : ( فقولا له قولا لينا ) [4] ، كذا قال أصحابنا رحمهم الله تعالى [5] . وقال ابن أبي الحديد المعتزلي الشافعي في ( شرح النهج ) [6] : الذي كرهه عليه السلام منهم أنهم كانوا يشتمون أهل الشام ، ولم يكن يكره منهم لعنهم
[1] صحيح مسلم باب النهي عن لعن الدواب وغيرها 4 / 2005 ح 2097 ، سنن البيهقي 10 / 193 . [2] الرد على المتعصب العنيد : 19 . [3] أي بين وزن " فاعل " ووزن " فعال " . [4] سورة طه 20 : 44 . [5] نفحات اللاهوت : 44 ، رياض السالكين : 545 ، المحجة البيضاء 5 / 222 . [6] شرح نهج البلاغة 11 / 21 .