وتلك الحريات المصطنعة التي تزعمها شعوب الحضارات الغربية الحديثة . فقد استطاعت الأمة التي حررها القرآن _ حين دعاها في كلمة واحدة إلى اجتناب الخمر _ ان تقول لا ، وتمحو الخمر من قاموس حياتها بعد أن كان جزءا من كيانها وضرورة من ضروراتها ، لأنها كانت مالكة لإراداتها ، حرة في مقابل شهواتها ودوافعها الحيوانية . وبكلمة مختصرة : كانت تتمتع بحرية حقيقية تسمح لها بالتحكم في سلوكها . واما تلك الأمة التي أنشأتها الحضارة الحديثة ، ومنحتها الحرية الشخصية بطريقتها الخاصة فهي بالرغم من هذا القناع الظاهري للحرية ، لا تملك شيئا من ارادتها ولا تستطيع ان تتحكم في وجودها ، لأنها لم تحرر المحتوى الداخلي لها وانما استسلمت إلى شهواتها ولذاذاتها تحت ستار من الحرية الشخصية حتى فقدت حريتها إزاء تلك الشهوات واللذاذات ، فلم تستطع أكبر حملة للدعاية ضد الخمر جندتها حكومة الولايات المتحدة الأمريكية ان تحرر الأمة الأمريكية من الخمر ، بالرغم من الطاقات المادية والمعنوية الهائلة التي جندتها السلطة الحاكمة ومختلف المؤسسات الاجتماعية في هذا السبيل . وليس هذا الفشل المريع إلا نتيجة فقدان الإنسان الغربي للحرية الحقيقية فهو لا يستطيع ان يقول : لا ، كلما اقتنع عقليا بذلك كالإنسان القرآني وانما يقول الكلمة حين تفرض عليه شهوته أن يقولها . ولهذا لم يستطع ان يعتق نفسه من أسر الخمر ، لأنه لم يكن قد ظفر في ظل الحضارة الغربية بتحرير حقيقي في محتواه الروحي والفكري [1] . وهذا التحرير الداخلي أو البناء الداخلي لكيان الإنسان هو في رأي
[1] لاحظ مقالنا : الحرية في القرآن . الأضواء : العدد الأول : 2 . ( المؤلف قدس سره ) .