ميوعة ارادته وذوبانها . وإلا فهل ننتظر من مجتمع لا يملك ارادته إزاء إغواء الخمرة _ مثلا _ وإغرائها ، ولا يتمتع بقدرة الترفع عن شهوة رخيصة كهذه . . هل ننتظر من هذا المجتمع : ان يضع موضع التنفيذ نظاما صارما يحرم أمثال تلك الشهوات الرخيصة ، ويربي في الإنسان ارادته ، ويرد إليه حريته ويحرره من عبودية الشهوة وإغرائها ؟ ! ! . كلا طبعا . فنحن لا نترقب الصلابة من المجتمع الذائب ، وان أدرك اضرار هذا الذوبان ومضاعفاته . ولا نأمل من المجتمع الذي تستعبده شهوة الخمرة ان يحرر نفسه بإرادته ، مهما أحس بشرور الخمرة وآثارها . . لأن الاحساس انما يتعمق ويتركز لدى المجتمع إذا استرسل في ذوبانه وعبوديته للشهوة واشباعها ، وهو كلما استرسل في ذلك أصبح أشد عجزا عن معالجة الموقف ، والقفز بإنسانيته إلى درجات أعلى . وهذا هو السبب الذي جعل الحضارات البشرية التي صنعها الإنسان ، تعجز عادة عن وضع نظام يقاوم في الإنسان عبوديته لشهوته ، ويرتفع به إلى مستوى انساني أعلى . حتى لقد أخفقت الولايات المتحدة _ وهي أعظم تعبير عن أضخم الحضارات التي صنعها الإنسان _ في وضع قانون تحريم الخمرة موضع التنفيذ لأن من التناقض أن نترقب من المجتمع الذي استسلم لشهوة الخمرة وعبوديتها ، أن يسن القوانين التي ترتفع به من الحضيض الذي اختاره لنفسه . بينما نجد ان النظام الاجتماعي الإسلامي الذي جاء به الوحي ، قد استطاع بطريقته الخاصة في تربية الإنسانية ورفعها إلى أعلى أن يحرم الخمرة وغيرها من الشهوات الشريرة ، ويخلق في الإنسان الإرادة الواعية الصلبة . ولم يبق علينا _ بعد أن أوضحنا جانبا من الفروق الجوهرية بين التجربة الاجتماعية التي يمارسها المجتمع بأسره والتجربة الطبيعية التي يمارسها المجرب