وقال لأصحابها : من أحبَّ أن ينطلق معنا إلى العراق وفيناه كراه وأحسنّا صحبته ، ومن أحبَّ أن يفارقنا في بعض الطريق أعطيناه كراه على قدر ما قطع من الطريق ، فمضى معه قوم وامتنع آخرون . وألحقه عبد الله بن جعفر بابنيه عون ومحمد ، وكتب على أيديهما كتاباً يقول فيه : أما بعد فإني أسألك بالله لما انصرفت حين تنظر في كتابي هذا ، فإني مشفق عليك من هذا التوجُّه الذي توجَّهت له ، أن يكون فيه هلاكك واستئصال أهل بيتك ، إن هلكت اليوم طفىء نور الأرض ، فإنك علم المهتدين ، ورجاء المؤمنين ، ولا تعجل بالسير فإني في أثر كتابي والسلام . وصار عبد الله إلى عمرو بن سعيد وسأله أن يكتب إلى الحسين ( عليه السلام ) أماناً ويمنّيه ليرجع عن وجهه ، وكتب إليه عمرو بن سعيد كتاباً يمنّيه فيه الصلة ، ويؤمنه على نفسه ، وأنفذه مع يحيى بن سعيد ، فلحقه يحيى وعبد الله بن جعفر بعد نفوذ ابنيه ، ودفعا إليه الكتاب وجهدا به في الرجوع ، فقال : إني رأيت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في المنام وأمرني بما أنا ماض له ، فقالوا له : ما تلك الرؤيا ؟ فقال : ما حدّثت أحداً بها ، ولا أنا محدِّثٌ بها أحداً حتى ألقى ربي عزَّ وجلَّ ، فلما يئس منه عبد الله بن جعفر أمر ابنيه عوناً ومحمداً بلزومه ، والمسير معه ، والجهاد دونه ، ورجع مع يحيى ابن سعيد إلى مكة . وتوجَّه الحسين ( عليه السلام ) إلى العراق مغذّاً لا يلوي إلى شيء حتى نزل ذات عرق . وقال السيّد ابن طاووس - رحمه الله - : توجَّه الحسين ( عليه السلام ) من مكة لثلاث مضين من ذي الحجة سنة ستين قبل أن يعلم بقتل مسلم ، لأنه ( عليه السلام ) خرج من مكة في اليوم الذي قتل فيه مسلم رضوان الله عليه ( 1 ) . ولله درّ الشيخ محمد علي اليعقوبي عليه الرحمة إذ يقول :