واتفق الرواة أن الإمام زين العابدين ( عليه السلام ) كان من أكثر أهل البيت ( عليهم السلام ) بكاء وحزناً على الحسين ( عليه السلام ) ، لأنه رأى واقعة الطف بعينه وشاهد ما جرى على عمَّاته وأخواته من الضرب والسبي . وقال بعضهم : وكان ( عليه السلام ) كلما اجتمع إليه جماعة ، أو وفد من وفود الأقطار يردد عليهم تلك المأساة ويقص عليهم من أخبارها ، ويخرج إلى السوق أحيانا ، فإذا رأى جزاراً يُريد أن يذبح شاةً أو غيرها يدنو منه ، ويقول : هل سقيتها الماء ؟ فيقول له : نعم يا بن رسول الله إنا لا نذبح حيواناً حتى نسقيها ولو قليلاً من الماء فيبكي عند ذلك ، ويقول ( عليه السلام ) : لقد ذُبح أبو عبد الله عطشانا ( 1 ) . ويقول الشاعر الحاج محمد علي آل كمونة عليه الرحمة في ذلك : < شعر > ويل الفرات أبادَ الله غامرَهُ * ورد واردَه بالرغم لهفانا لم يطفِ حرَ غليلِ السبطِ باردَه * حتى قضى في سبيلِ اللهِ عطشانا لم يُذبح الكبشُ حتى يُرو من ظمأ * ويُذبحُ ابنُ رسولِ اللهِ ضمآنا فيا سماءُ لهذا الحادثِ انفطري * فما القيامةُ أدهى للورى شَانا ( 2 ) < / شعر > ويروى أن أبا حمزة الثمالي رضوان الله تعالى عليه دخل يوماً على الإمام زين العبادين ( عليه السلام ) فرآه حزيناً كئيباً فقال له : سيّدي ، ما هذا البكاء والجزع ؟ ألم يقتل عمُّك حمزة ؟ ألم يقتل جدّك علي ( عليه السلام ) بالسيف ؟ إن القتل لكم عادة ، وكرامتكم من الله الشهادة ، فقال له الإمام : شكر الله سعيك يا أبا حمزة ، كما ذكرت ، القتل لنا عادة ، وكرامتنا من الله الشهادة ولكن يا أبا حمزة ، هل سمعت أذناك أم رأت عيناك أن امرأة منا أُسرت أو هُتكت قبل يوم عاشوراء ؟ والله يا أبا حمزة ، ما نظرت إلى عمَّاتي وأخواتي إلاَّ وذكرت فرارهن في البيداء من خيمة إلى خيمة ، ومن خباء إلى
1 - كتاب الأئمة الاثني عشر ، السيد هاشم معروف الحسني : 2 / 115 . 2 - رياض المدح والرثاء ، الشيخ حسين القديحي : 649 .