وسالت الدموع كل مسيل ، ثم إن الحسين ( عليه السلام ) سار قاصداً لما دعاه الله ، فلقيه الفرزدق الشاعر فسلَّم عليه وقال : يا ابن رسول الله ، كيف تركن إلى أهل الكوفة وهم الذين قتلوا ابن عمِّك مسلم بن عقيل وشيعته ؟ قال : فاستعبر الحسين ( عليه السلام ) باكياً ثم قال : رحم الله مسلماً ، فلقد صار إلى رَوح الله وريحانه ، وتحيّته ورضوانه ، أما إنه قد قضى ما عليه ، وبقي ما علينا ، ثم أنشأ يقول : < شعر > فإنْ تكن الدنيا تُعَدُّ نفسيةً * فَدَارُ ثوابِ اللهِ أعلى وأنبلُ وإن تكن الأبدانُ للموتِ أُنشئت * فَقَتْلُ امرء بالسيفِ في اللهِ أفضلُ وإن تكن الأرزاقُ قسماً مقدَّراً * فَقِلَّةُ حِرْصِ المرءِ في الرزقِ أجملُ وإن تكن الأموالُ للتركِ جَمْعُها * فما بالُ متروك به المرءُ يبخلُ ( 1 ) < / شعر > وروي في خبر آخر عن عبد الله بن سليمان والمنذر بن المشمعل الأسديين قالا : لمّا قضينا حجَّنا لم تكن لنا همّة ، إلاَّ اللحاق بالحسين ( عليه السلام ) لننظر ما يكون من أمره ، فأقبلنا ترقل بنا ناقتانا مسرعين حتى لحقنا بزرود ، فلمَّا دنونا منه إذا نحن برجل من أهل الكوفة قد عدل عن الطريق حين رأى الحسين ( عليه السلام ) ، فوقف الحسين كأنه يريده ، ثمَّ تركه ومضى ومضينا نحوه ، فقال أحدنا لصاحبه : اذهب بنا إلى هذا لنسأله ، فإنَّ عنده خبر الكوفة ، فمضينا إليه فقلنا : السلام عليك ، فقال : وعليكما السلام ، قلنا : ممن الرجل ؟ قال : أسدي ، قلنا له : ونحن أسديان ، فمن أنت ؟ قال : أنا بكر بن فلان ، وانتسبنا له ، ثم قلنا له : أخبرنا عن الناس من ورائك . قال : لم أخرج من الكوفة حتى قتل مسلم بن عقيل وهاني بن عروة ، ورأيتهما يجّران بأرجلهما في السوق ، فأقبلنا حتى لحقنا الحسين ( عليه السلام ) فسايرناه حتى نزل الثعلبية ممسياً ، فجئنا حين نزل فسلَّمنا عليه فردَّ علينا السلام ، فقلنا له ، رحمك الله ، إن عندنا خبراً إن شئت حدَّثناك علانية وإن شئت سراً ، فنظر إلينا