رجلا أسود سيّيء الوجه حذائي ، عاضّاً على إصبعه أو قال : شفتيه ، ففزعت فزعاً لم أفزعه قط ! فقال ابن زياد : لعلّك دهشت ( 1 ) . وقال المسعودي : دعا ابن زياد بكير بن حمران الذي قتل مسلماً ، فقال : أقتلته ؟ قال : نعم ، قال : فما كان يقول وأنتم تصعدون به لتقتلوه ؟ قال : كان يُكبِّر ويُسبِّح ويُهلِّل ويستغفر الله ، فلمّا أدنيناه لنضرب عنقه قال : اللهم احكم بيننا وبين قوم غرّونا وكذّبونا ثم خذلونا وقتلونا ، فقلت له : الحمد لله الذي أقادني منك ، وضربته ضربة لم تعمل شيئاً ، فقال لي : أوما يكفيك فيَّ خدش مني وفاء بدمك أيها العبد ؟ قال ابن زياد : وفخراً عند الموت ؟ قال : وضربته الثانية فقتلته ( 2 ) . قال الشيخ المفيد عليه الرحمة : فقام محمد بن الأشعث إلى عبيد الله بن زياد فكلَّمه في هانىء بن عروة ، فقال : إنك قد عرفت موضع هانىء من المصر ، وبيته في العشيرة ، وقد علم قومه أني وصاحبي سقناه إليك ، وأنشدك الله لمّا وهبته لي ، فإني أكره عداوة المصر وأهله ، فوعده أن يفعل ، ثم بدا له وأمر بهانىء في الحال ، فقال : أخرجوه إلى السوق فاضربوا عنقه ، فأخرج هانىء حتى أتي به إلى مكان من السوق كان يباع فيه الغنم ، وهو مكتوف ، فجعل يقول : وأمذحجاه ولا مذحج لي اليوم ، يا مذحجاه ، يا مذحجاه ، أين مذحج ؟ فلمَّا رأى أن أحداً لا ينصره جذب يده فنزعها من الكتاف ، ثم قال : أما من عصا أو سكين أو حجارة أو عظم يحاجز به رجل عن نفسه ؟ ووثبوا إليه فشدّوه وثاقاً ، ثم قيل له : أمدد عنقك ، فقال : ما أنا بها بسخيٍّ ، وما أنا بمعينكم على نفسي ، فضربه مولى لعبيد الله بن زياد تركي يقال له : رشيد بالسيف ، فلم يصنع شيئاً ، فقال له هانىء : إلى الله المعاد ، اللهم إلى رحمتك ورضوانك ، ثم ضربه أخرى فقتله .