فأقبل مسلم ( عليه السلام ) حتى أتى المدينة ، فصلَّى في مسجد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وودَّع من أحبَّ من أهله ، واستأجر دليلين من قيس ، فأقبلا به يتنكّبان الطريق ، فضلاّ عن الطريق ، وأصابهما عطش شديد فعجزا عن السير ، فأوماءا له إلى سنن الطريق بعد أن لاح لهم ذلك ، فسلك مسلم ذلك السنن ، ومات الدليلان عطشاً . وساق الحديث إلى أن قال الراوي : فأقبل ( عليه السلام ) حتى مرَّ بماء لطيء فنزل به ثم ارتحل عنه ، فإذا رجل يرمي الصيد ، فنظر إليه قد رمى ظبياً حين أشرف له فصرعه ، فقال مسلم بن عقيل : نقتل عدوَّنا إن شاء الله . ثم أقبل ( عليه السلام ) حتى دخل الكوفة ، فنزل في دار المختار بن أبي عبيدة وهي التي تُدعى اليوم دار مسلم بن المسيب ، وأقبلت الشيعة تختلف إليه ، فكلما اجتمع إليه منهم جماعة قرأ عليهم كتاب الحسين ( عليه السلام ) وهم يبكون ، وبايعه الناس حتى بايعه منهم ثمانية عشر ألفاً ويأمره بالقدوم ، وجعلت الشيعة تختلف إلى مسلم بن عقيل ( عليه السلام ) حتى علم بمكانه . فبلغ النعمان بن بشير ذلك - وكان والياً على الكوفة من قبل معاوية فأقرَّه يزيد عليها - فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : أمّا بعد ، فاتقوا الله عباد الله ، ولا تُسارعوا إلى الفتنة والفرقة ، فإن فيها تهلك الرجال ، وتسفك الدماء ، وتغصب الأموال ، إني لا أُقاتل من لا يقاتلني ، ولا آتي على من لم يأت عليَّ ، ولا أنبِّه نائمكم ولا أتحرَّش بكم ، ولا آخذ بالقرف ، ولا الظنّة ، ولا التهمة ، ولكنكم إن أبديتم صفحتكم لي ، ونكثتم بيعتكم ، وخالفتم إمامكم ، فوالله الذي لا إله غيره ، لأضربنكم بسيفي ما ثبت قائمه في يدي ، ولو لم يكن لي منكم ناصر ، أما إني أرجو أن يكون من يعرف الحق منكم أكثر ممن يرديه الباطل . فقام إليه عبد الله بن مسلم بن ربيعة الحضرمي حليف بني أمية فقال له : إنه