الأمر الثالث : كيف ساغ له أن يرمي المسلمين كافة بتقليد أمثال الخطيب الشربيني بتفسيره بعض آي الكتاب ، بما هو مستمد مادته من الإسرائيليات ومن أحاديث قد محصوها وبينوا الموضوع منها ، وما لم يصح وما صح منها ولأجلها ولأجل ما وضعه الواضعون منها من الحشويين ومن بعض غلاة الفرق الثلاث والسبعين تأييدا لما ابتدعوه وضعوا علم الحديث وعلم رجاله وعلم الدراية ، وهب أن صاحب الكتاب ومسيحه سلكا هذه السبيل ، فهل سلكا سبيلا غير سلوكه وعرفا ما لم يعرفه علماء الإسلام ؟ وهل في ذلك آية من آيات نبوة المسيح الهندي تحمل المسلمين كافة في مشارق الأرض ومغاربها على اعتقادها وترك الاجتهاد إلى تقليده ؟ الأمر الرابع : إننا نرى من المفيد والقاطع لحجته الواهية ، أن نلم إلمامة قصيرة لا تبعدنا عن الموضوع بما قاله العلماء وذهبوا إليه من مباحث التفسير . الأول : قال ابن خلدون الفيلسوف الاجتماعي الاسلامي في مقدمته [1] : " وأما التفسير فاعلم أن القرآن نزل بلغة العرب وعلى أساليب بلاغتهم ، فكانوا كلهم يفهمونه ويعلمون معانيه في مفرداته وتراكيبه ، وكان ينزل جملا جملا وآيات آيات لبيان التوحيد والفروض الدينية بحسب الوقائع ، ومنها ما هو في العقائد الايمانية ، ومنها ما هو في أحكام الجوارح ، ومنها ما يتقدم ، ومنها ما يتأخر ويكون ناسخا له . وكان النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يبين المجمل ويميز الناسخ من المنسوخ ويعرفه أصحابه ، فعرفوه وعرفوا نزول الآيات ومقتضى الحال منها منقولا عنه ، إلى أن قال : ونقل ذلك عن الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين ، وتداول ذلك التابعون من بعدهم ونقل ذلك عنهم ، ولم يزل متناقلا بين الصدر الأول والسلف حتى صارت المعارف علوما ودونت الكتب ، فكتب الكثير من ذلك ونقلت الآثار الواردة فيه عن الصحابة والتابعين ، وانتهى ذلك إلى الطبري والواقدي والثعلبي وأمثال ذلك من المفسرين . ثم صارت علوم اللسان صناعية
[1] تاريخ ابن خلدون ، ط مؤسسة الأعلمي ، ج 1 ، ص 438 .