كان يتزعمها يومذاك الشريف حسين بن علي في مكة ، فأقام السفاح مجلسا عرفيا للنظر في جميع القضايا التي تتعلق بأمن الأتراك في البلاد ، ووظف طابوره الخامس لجمع المعلومات ، وشجع الناس على التقدم بالشكايات الباطلة واتهام بعضهم ضد بعض ، ولعبت الأغراض الشخصية والعداوات دورا غير مشرف ، كما هو المألوف في مثل تلك الظروف ، وألصقت كلمة الخيانة بكثير من الأبرياء ، أما المنتمون إلى الجمعيات والمنظمات فلم تكن خيانتهم لتحتاج إلى الشواهد والأدلة ، وقد سيق الأحرار إلى المجلس العرفي بالجملة ، وحكم الكثيرون بالسجن والنفي والإعدام . وكان المترجم له من الطبقة الواعية يومذاك ، وقد طاردته السلطات التركية ، ولقي من عنت السياسة ما لقيه إخوانه العاملون ، فقد وشى " محمود القبرصلي " مدير ناحية " الشقيف " به وبزميليه الشيخ أحمد رضا والشيخ محمد آل جابر ، بأنهم من الناقمين على المظالم ، وأن لديهم الكثير من النشرات المضرة ، ومن مؤلفات الشيخ محمد عبدة ، ومن مجلة " المنار " والجرائد المحرم دخولها إلى الممالك العثمانية ، وأنهم عازمون على نشر آراء عبدة وصاحب المنار ، وقد قدم الواشي وشايته إلى قائمقام ( صيدا " وهو تركي ، فأرسل من فوره المحامي جميل الحسامي رئيس كتبة محكمة صيدا ، والدكتور عز الدين الشهابي طبيب بلدية صيدا ، فدخل الحسامي إلى مكتبة رضا فلم يبالغ في التفتيش لأنه كان ذا وطنية صادقة وشهامة ووجدان ، وانفرد به وأطلعه على الأمر الصادر إليه وفيه : أن يقيد الموشى بهم ويرسلهم تحت الحراسة إذا رأي أدنى شبهة . وأخذ عليه المواثيق بأن لا يبوح لأحد ما دامت الحاجة ماسة إلى الكتمان ، وفعل كذلك بمكتبة المترجم له وجابر ، وقدم تقريره بنفي كل ما جاء في الوشاية . وفي 23 رجب سنة 1333 ه = خامس حزيران 1915 صدر الأمر من الديوان العرفي العسكري في عاليه بالقبض على المترجم له وعدد من زملائه ، وإشخاصهم بحراسة الجند إلى الديوان العرفي ، فكانوا أول قافلة سيقت إليه بالجرائم السياسية ، ولبثوا في السجن إلى 26 رمضان = 27 تموز حوكموا فيها