لقريش : " أرأيتكم إن أخبرتكم أن العدو مصبحكم وممسيكم ما كنتم تصدقونني ؟ قالوا بلى قال فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد " [1] . فقلنا له : ( أولا ) من أين لنا العلم بأن مهديكم كان صادقا في أول عمره ؟ قال : نحن نخبركم بذلك ألا يكفي هذا لكم ونحن عدد كثير ؟ فضحك الحاضرون ( وقلنا ) : لا يجوز في قانون القضاء أن يكون الخصم شاهدا ( وثانيا ) هذا على فرض صحته لا يفيد إلا الظن ، وكم قد رأينا من يكون في أول أمره صالحا فيفسد في آخره أو بالعكس ( ومما استدلوا به ) أنه قد ظهرت المعجزة على يده ، فإنه كان لا يعرف العربية فدعا الله تعالى فعلمه إياها في ليلة واحدة ، فصار يتكلم بالعربية الفصحي ، فكان حال هذه الحجة حال ما تقدم . وقال أحدهم : بما تستدلون على نبوة محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ؟ فقلت له : بالمعجزات ، فقال : وهل رأيتموها ؟ قلت : نعم ، قال : ما هي ؟ قلت : القرآن ، قال : والمهدي قد جاء بكلام معجز من إنشائه ( فيكون أقدر من النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لأن القرآن المعجز من كلام الله تعالى لا من كلامه ) . قلت : أسمعنا شيئا منه لننظر هل هو معجز ، فتلا علينا من حفظه ما يلي ( من الفتن العظمى والآفات الكبرى ، صول القسوس بقسي الهمز واللمز كالعسوس ، وكل ما صنعوا لجرح ديننا من النبال والقياس بنوه على المكائد كالصائد لا على العقل والقياس ، نبذوا الحق ظهريا وما كتبوا في ما دونوا إلا أمرا فريا ، وقد اجتمعت هممهم على إعدام الإسلام ، واتفقت آراؤهم لمحو آثار سيدنا خير الأنام ، ويدعون الناس إلى اللظى والدرك ناصبين شرك الشر ، فما نالوا جهدا إلا بذلوه ، وما وجدوا كيدا إلا استعملوه ، واستحرت حربهم ، وكثر طعنهم وضربهم ، وجالت خيولهم وسالت سيولهم ، حتى جمعوا عساكر الالحاد ورفعوا رايات الفساد ، وصبت على المسلمين مصائب ، وخربت تلك الربوع وأهديت لسقياها الدموع ، فحاصل الكلام أن الإسلام ملء من الآلام
[1] مجمع البيان ، ج 7 - 8 / 323 ( سورة الشعراء ، الآية ( وأنذر عشيرتك الأقربين ) ) .