وهذا ما فهمه هؤلاء المفسرون من الآية ، وهو ما يفهمه منها كل من له أدنى ذوق في فهم أساليب الكلام وأقل أنس بالتفسير ، وليست الآية من المجملات ولا المتشابهات ليكون فيها مجال للتأويل . أما قوله : إن ( مع ) متضمنة ( من ) ففيه : 1 - لم يقل أحد من المفسرين الذين نرجع إلى كتبهم في كتابة هذا الرد بهذا التضمين في تفسير هذه الآية ، كما أنه لا داعي له كما سنرى قريبا . 2 - لم نجد في كتب اللغة التي هي في متناولنا كالقاموس والمصباح والمخصص ولا في فقه اللغة ( الصاحبي ) لابن فارس والمغني لابن هشام نصا على مرادفة ( من ) ل ( مع ) ففي القاموس : " ( مع ) اسم وقد يسكن وينون ، أو حرف خفض ، أو كلمة تضم الشئ إلى الشئ وتكون بمعنى ( عند ) " [1] . وفي المغني : " ( مع ) اسم بدليل التنوين في قولك : ( معا ) ، ودخول الجار في حكاية سيبويه ، ذهبت من ( معه ) إلى أن قال : ولها حينئذ ثلاثة معان : أحدها موضع الاجتماع ، الثاني : زمانه ، الثالث : مرادفة ( عند ) " [2] . وفي المصباح ( مع ) ظرف على المختار بمعنى ( لدن ) لدخول التنوين نحو خرجنا معا ، ودخول ( من ) عليه ونحو جئت من معه أي من عنده . 3 - إن مورد الآية ليس من موارد التضمين ، وإليك ما ذكره علماء العربية من معناه ، فقد قالوا : إنه إجراء أحكام لفظ على آخر يدل على معناه ، وقيل : هو اشراب لفظ معنى لفظ آخر ليعطي حكمه ويدل على الثاني بذكر شئ من متعلقاته ، أو حذف شئ من متعلقات الأول ، كما قال صاحب الكشاف : " إنهم يضمنون الفعل معنى فعل آخر فيجرونه مجراه " . وقال ابن جني في الخصائص : " إعلم أن الفعل إذا كان بمعنى فعل آخر وكان أحدهما يتعدى بحرف والآخر بآخر ، فإن العرب قد تتوسع فتوقع أحد الحرفين موقع صاحبه إيذانا بأن هذا الفعل في معنى ذلك الآخر ، فلذلك جئ معه بالحرف المعتاد مع ما هو في
[1] القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 112 . [2] مغني اللبيب ، ج 1 ، ص 333 .