وقال ابن فارس في كتابه الصاحبي : ( باب الفعل يأتي بلفظ الماضي وهو راهن أو مستقبل ، وبلفظ المستقبل وهو ماض ) ، وأورد على ذلك شواهد منها : ( أتى أمر الله فلا تستعجلوه ) أي يأتي ويجئ بلفظ المستقبل وهو ماض ، قال الشاعر : ولقد أمر على اللئيم يسبني * فمضيت عنه وقلت : لا يعنيني فقال : أمر ، ثم قال : ومضيت ، وفي كتاب الله جل ثناؤه : ( فلم تقتلون أنبياء الله من قبل ) وقال : ( واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان ) أي ما تلت ، ومثله : ( وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه قل فلم يعذبكم ) المعنى فلم عذب آباءكم بالمسخ ، لأن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لم يؤمر بأن يحتج عليهم بشئ لم يكن ، لأن الجاحد يقول : إني لا أعذب لكن أحتج عليهم بما كان " [1] . وقال الثعالبي في كتابه ( فقه اللغة ) : فصل ( في الفعل يأتي بلفظ الماضي وهو مستقبل وبلفظ المستقبل وهو ماض ) ، أما الأول فمثل له بقوله تعالى : ( أتى أمر الله فلا تستعجلوه ) . والثاني بقوله تعالى : ( فلم تقتلون أنبياء الله من قبل ) وقوله تعالى : ( واتبعوا ما تتلو الشياطين ) أي ما تليت . وقال ابن الأثير في المثل السائر : " إعلم أن الفعل المستقبل إذا أتي به في حالة الإخبار عن وجود الفعل ، كان ذلك أبلغ من الإخبار بالفعل الماضي ، وذلك لأن الفعل المستقبل يوضح الحال التي يقع فيها ويستحضر تلك الصورة حتى كأن السامع يشاهدها ، وليس كذلك الفعل الماضي ، إلى أن قال : عطف المستقبل على الماضي ينقسم إلى ضربين : أحدهما بلاغي وهو إخبار عن ماض بمستقبل ، والآخر غير بلاغي وليس إخبارا بمستقبل عن ماض ، وإنما هو مستقبل دل على معنى مستقبل غير ماض ويراد به أن ذلك الفعل مستمر الوجود
[1] الصاحبي في فقه اللغة العربية ووسائلها ، العلامة أحمد بن فارس بن زكريا الرازي ، مكتبة المعارف ، ص 223 .