الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) من أن يمسك عن وعظه وتذكيره ، لا سيما وقد كان يتصرف على أمره وتدبيره فرجف المنافقون به ( صلى الله عليه وآله وسلم ) إذا تزوج المرأة ويقرفونه بما قد نزهه الله تعالى عنه ، فقال له : أمسك عليك زوجك تبرئا مما ذكرناه وتنزها ، وأخفي في نفسه عزمه على نكاحها بعد طلاقه لها لينتهي إلى أمر الله تعالى فيها ، ويشهد بصحة هذا التأويل قوله تعالى : ( فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها لكيلا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطرا وكان أمر الله مفعولا ) [ الأحزاب / 37 ] فدل على أن العلة في أمره بنكاحها ما ذكرناه ، من نسخ السنة المتقدمة . ثم قال بعد كلام طويل نمسك عن نقله : فإن قيل : فما المانع مما وردت به الرواية من أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) رأى في بعض الأحوال زينب ابنة جحش فهواها ، فلما أن حضر زيد لطلاقها أخفي في نفسه عزمه على نكاحها بعده وهواه لها ؟ أوليس الشهوة عندكم التي قد تكون عشقا على بعض الوجوه من فعل الله تعالى ، وأن العباد لا يقدرون عليها ؟ وعلى هذا المذهب لا يمكنكم إنكار ما تضمنه السؤال ، قلنا : لم ننكر ما وردت به هذه الرواية الخبيثة من جهة أن الشهوة تتعلق بفعل العباد وأنها معصية قبيحة ، بل من جهة أن عشق الأنبياء ( عليهم السلام ) لمن ليس يحل لهم من النساء منفر عنهم وحاط من رتبتهم ومنزلتهم ، وهذا مما لا شبهة فيه ، وليس كل شئ يجب أن يجتنبه الأنبياء ( عليهم السلام ) مقصورا على أفعالهم ، ألا ترى أن الله تعالى قد جنبهم الفظاظة والغلظة والعجلة وكل ذلك ليس من فعلهم ، وأوجبنا أيضا أن يجنبوا الأمراض المنفرة والخلق المشينة كالجذام والبرص وتفاوت الصور واضطرابها ، وكل ذلك ليس من مقدورهم ولا فعلهم ، وكيف يذهب على عاقل إن عشق الرجل زوجة غيره منفر عنه معدود في جملة معائبه ومثالبه ، ونحن نعلم أنه لو عرف بهذه الحال بعض الأمناء أو الشهود لكان ذلك قادحا في عدالته وحاطا من منزلته ، وما يؤثر في منزلة أحدنا أولى أن يؤثر في منازل من طهره الله وعصمه وأكمله وأعلى منزلته وهذا بين لمن تدبره " [1] .