نام کتاب : العقائد الإسلامية نویسنده : مركز المصطفى ( ص ) جلد : 1 صفحه : 43
قلت : على أحد التقديرين المذكورين تتم الحجة على الذرية أو على بعضهم الذين أشهدوا ، وأما الآباء الذين لم يشهدوا فليس عندهم إلا الغفلة المحضة عن أمر الربوبية ، فلا يستقلون بشرك إذ لم يشهدوا ، ولا يسع لهم التقليد إذ لم يسبق عليهم فيه سابق ، كما في صورة العكس فيدخلون تحت المحتجين بالحجة الأولى ( إنا كنا عن هذا غافلين ) . وأما حديث تكامل الإنسان في العلم والحضارة تدريجا فإنما هو في العلوم النظرية الاكتسابية التي هي نتائج وفروع تحصل للإنسان شيئا فشيئا ، وأما شهود الإنسان نفسه وأنه محتاج إلى رب يربه فهو من مواد العلم التي إنما تحصل قبل النتائج ، وهو من العلوم الفطرية التي تنطبع في النفس انطباعا أوليا ثم يتفرع عليها الفروع . وما هذا شأنه ولولا يتأخر عن غيره حصولا ، وكيف ولولا ونوع الإنسان إنما يتدرج إلى معارفه وعلومه عن الحس الباطني بالحاجة ، كما قرر في محله . فالمتحصل من الآيتين أن الله سبحانه فصل بين بني آدم بأخذ بعضهم من بعض ، ثم أشهدهم جميعا على أنفسهم وأخذ منهم الميثاق بربوبيته ، فهم ليسوا بغافلين عن هذا المشهد وما أخذ منهم من الميثاق ، حتى يحتج كلهم بأنهم كانوا غافلين عن ذلك لعدم معرفتهم بالربوبية ، أو يحتج بعضهم بأنه إنما أشرك وعصى آباؤهم وهم برآء . ولذلك ذكر عدة من المفسرين أن المراد بهذا الظرف المشار إليه بقوله : وإذ أخذ ربك ، هو الدنيا ، والآيتان تشيران إلى سنة الخلقة الإلهية الجارية على الإنسان في الدنيا ، فإن الله سبحانه يخرج الذرية الإنسانية من أصلاب آبائهم إلى أرحام أمهاتهم ومنها إلى الدنيا ، ويشهدهم في خلال حياتهم على أنفسهم ويريهم آثار صنعه وآيات وحدانيته ووجوه احتياجاتهم المستغرقة لهم من كل جهة ، الدالة على وجوده ووحدانيته ، فكأنه يقول لهم عند ذلك ألست بربكم ، وهم يجيبونه بلسان حالهم بلى شهدنا بذلك وأنت ربنا ولولا رب غيرك ، وإنما فعل الله سبحانه ذلك لئلا يحتجوا على
43
نام کتاب : العقائد الإسلامية نویسنده : مركز المصطفى ( ص ) جلد : 1 صفحه : 43