طيبة وأنبته الله نباتا حسنا ، ولما أتم العاشرة أدخل مكتب بعض شيوخ الكتاتيب فتعلم مبادئ الخط البسيطة وقراءة القرآن ، وكان ذلك أقصى ما يبلغه المتعلمون يومئذ في تلك البلاد ، على ندرة من يتعلم منهم ، إذ كانت الأمية هي الغالبة على البلاد العاملية [1] . دراسته ومشايخه : كانت مدارس العلم في ذلك العهد في تراجع مستمر ، فلا تشاد مدرسة وتقوم فيها سوق للعلم ونشر المعرفة ، ويتقاطر إليها الطلاب من كل صوب حتى تلفظ أنفاسها وتقفل أبوابها خلال سنين معدودة ، ويعود طلابها من حيث أتوا . . . وقد نشأت في نفس المترجم له رغبة ملحة في طلب العلم ونزوع إلى تلقيه في مثل تلك الظروف ، وكان ذلك في أوائل المئة الرابعة عشرة ، فاتجه إلى بعض المدارس التي قامت على أنقاض المدارس القديمة ، وسرعان ما أصابها الانحلال والتراجع أيضا ، فارتحل إلى قرية " النميرية " على بعد فرسخين من مدينته ، ولم يلبث فيها غير ثلاثة أشهر حتى لفظت أنفاسها على العادة ، فذهب إلى " بنت جبيل " في جنوب جبل عامل على بعد ستة فراسخ من " النبطية " وكانت فيها بقايا مدرسة ، فمكث فيها مثل تلك المدة فتوفي مؤسسها العلامة الشهير الشيخ موسى شرارة سنة 1304 ه = 1886 م ، فتفرق من فيها من الطلاب والمدرسين فعاد إلى " النبطية " يائسا . وشاء الله أن يمد بعونه المترجم له وأترابه ويشملهم بلطفه ، فقيض لمدينة " النبطية " عالما مرشدا مشاركا في العلوم وهو السيد محمد بن السيد علي آل إبراهيم ، فأذكى قرائحهم ودربهم على الكتابة والخطابة ونظم الشعر وغير ذلك مما لم يكن تدريسه مألوفا ، وما فارق ذلك الأستاذ " النبطية " حتى جدد السيد
[1] قال الدكتور فيليب حتى : " لقد برز اسم لبنان الشمالي بفضل علاقاته مع إيطالية وفرنسة في المحافل الدولية ، أما لبنان الجنوبي بدروزه وشيعييه فقد ظل بلدا مغمورا ، فلم يسترع أنظار الرحالة الأوروبيين ولم يسجل لنا أحد من أهليه شيئا عن الحياة فيه ، غير أن هناك حقيقة واحدة جلية كان النصارى والدروز والشيعة يعيشون معا بانسجام وصفاء " لبنان في التاريخ / 594 - 595 " .