خاطبني وبشرني بإكرامي وقبولي في زمن اليأس ، وقال : يحمدك الله في عرشه " وغير ذلك من التفاهات [1] . ولما رأى أن الحملة عليه شعواء ، وأن الأقلام قد أوقفت على محاربته ودحض شبهاته ومزاعمه ، وكشف أمره وحقيقته ، وإعلان خروجه عن الإسلام ، أعلن تمسكه بالشريعة الإسلامية والقرآن والسنة ، وأن نبوته ظلية - حسب تعبيره - وهي انعكاس لنبوة الرسول ، لاعتقاده بالحلول والتناسخ ووحدة الوجود [2] ، فهو يرى أن مراتب الوجود دائرة تضم الله والأنبياء والبشر ، فالله يحل في الأنبياء ، وبدوران الوجود داخل النبوة تنتقل الروح من فرد لآخر لا فرق بين سابق ولاحق ، ويكون الأنبياء نبيا واحدا ، وباتصال أطراف هذا الوجود بعضها بالبعض الآخر يكون الأنبياء جزءا منها ، والانسان ، جزءا آخر من هذه الوحدة التي تضم ملكوت السماء والأرض ، فكمالات الأنبياء المتفرقة قد تجمعت في شخص النبي محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وانعكست ظليا فيه .
[1] مواهب الرحمن / 14 و 49 و 50 و 66 و 69 وغيرها . [2] ظهرت نظرية وحدة الوجود في الفلسفة الهندية قبل أكثر من ثلاثة آلاف سنة ، وتبلورت سنة 600 ق . م . فقد وردت في الكتاب الهندوكي " البوبا نيشاد " ويلفظه بعضهم " أو بانيسهاد " وخلاصتها هناك : إن الإنسان والحيوانات وسائر الكائنات كلها أجزاء أو شظايا ل " براهما " = " رب العالمين " الذي خلقهم جميعا ، ولهذا فإن " براهما " والكائنات شئ واحد ووجود واحد ، ولا يمكن تصور وجود الإنسان والكائنات خارج وجود " براهما " الذي هو سيد الكون . ومعناه إن الله - تعالى عما يقوله الظالمون علوا كبيرا - يكون واحدا إذا فرضنا وجوده منفردا ، ويكون مركبا من أجزاء إذا أضفنا إليه الإنسان والمخلوقات والكائنات . وقد أخذت هذه النظرية طريقها إلى الفلسفة اليونانية وتجلت في المدرسة الأفلاطونية التي أنشأت في " الإسكندرية " في القرن الثالث للميلاد ، ثم أخذت طريقها إلى الفلسفة الإسلامية وظهرت لدي المتصوفة في القرن الثالث الهجري تقريبا ، وأبرز مثلها هو الحسين الحلاج المقتول سنة 309 ه = 922 م . والغريب أن يتوسع الأستاذ محمد فريد وجدي في الكلام عن القائلين ب " وحدة الوجود " من شعوب الهند والصين ومصر واليونان وأوروبا ، ولا يتعرض إلى ذكرها عند المسلمين ولا بنحو الإشارة . أنظر : " دائرة معارف القرن الرابع عشر = العشرين 10 / 706 " .