وكان ذا شغف بالقراءة والمطالعة منذ نشأته يقضي فيها معظم وقته ، وقد تفرغ لدراسة الكتب الدينية والصوفية ، وغلبت عليه نزعة التصوف ، وكانت سائدة يومئذ بين كثير من علماء المسلمين في الهند ، وكان لها طرقها ورجالها ومؤلفاتهم ، كما كان لهم خصومهم الذين يتظاهرون بنقدهم ومعارضتهم . وكانت يومذاك - أيضا - حركة تجديدية هندوكية باسم " آريه سماج " وكان لها زعماء بارزون وعلماء ينطقون باسمها ، وقد كثرت المناظرات بينها وبين خصومها ، كما كانت بعثات تبشيرية تتألف من القسس والرهبان ، وكان الصراع على أشده بينهم وبين علماء المسلمين ، فظهر القادياني على الساحة في تلك الفترة ، وعد في النابهين من المسلمين ، وكانت له مع كبار المناظرين من الفئتين مواقف مشهورة وتفوق بارز اعترف به علماء عصره ، فقد قال السيد عبد الحي الحسني : " . . . واشتغل بالكلام وكان يباحث أحبار الآرية والنصارى ويفحمهم في مباحثاته ، ويصرف أوقاته كلها في الذب عن الحنفية البيضاء ، ويصنف الكتب في ذلك ، وكانت مساعيه مشكورة عند أهل الملة الإسلامية . . . " و " قد أورد في كتابه ( براهين أحمدية " على إحقاق الإسلام ثلاثمئة دليل عقلي " [1] . وقد واصل مطالعة كتب العرفان والتصوف والفلسفة [2] ، وثقف نفسه ثقافة عالية أهلته للصدارة والتأليف ، فأنتج آثارا قيمة قوبلت بالإعجاب والإكبار من قبل الطبقات المتنورة ، ولم يكن لما أشاعه عنه خصومه وكتبه عنه البعض من أنه كان محدود الذكاء وأنه رسب في امتحان " مولوي فاضل " الذي يعادل
[1] الثقافة الإسلامية في الهند / 228 و 230 . وقال عنه مثل ذلك مؤلفون آخرون في الهند وغيرها . [2] من المعروف في بعض الأوساط العلمية أن التعمق في العلوم العقلية لا يصلح لكل فرد ، لأن درجات العقول متفاوتة في القوة والضعف ، والنفوس البشرية مختلفة في النقاء والفطرة ، وربما أدى التوغل إلى الانحراف العقائدي والشذوذ الفكري ، والخروج عن طريق الهدى والاستقامة ، وقد كان القادياني من الفريق الذي لم يكن يصلح لذلك الاتجاه ، فقد تأثر ببعض الآراء الفلسفية ، واعتنق بعض المذاهب الفكرية مما صح ولم يصح ، فقد آمن بالفيض والحلول والتناسخ ووحدة الوجود وغيرها ، مما يبدو واضحا في تصريحاته وكتاباته ، وبدأ يشطح ويشذ ويشرق ويغرب كالمعتوه .