أطال صاحب التوضيح الكلام في هذا الموضوع إطالة مملة ، وهو يتفرع عن استمرار الوحي وبقاء النبوة ، وقد أبطلناهما وأفسدنا ما تمسك به من الحجج الواهية ، ولم نجد مندوحة عن ترك التعليق على هذا البحث الذي عرض فيه إلى أدلة أخرى يزعم أنها تثبت دعواه ، ولئن كان فيه شئ من التكرار فالذنب ذنبه ، ولأن غرضنا استقصاء الأهم فالأهم من حججه ونقضها حتى لا يبقي في قوس تمويهاته منزع ، والحق ضالتنا وهو ما ننشد والله من وراء القصد . ابتدأ هذا البحث بتفسير آية خاتم النبيين على رأي صاحبه الحضي ، فقال : لا يخفي أن الآية ( ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ) [ الأحزاب / 40 ] نزلت في السنة الخامسة من الهجرة حين تزوج بزينب ، وفي السنة العاشرة حيث توفي ابنه إبراهيم ، قال : لو عاش إبراهيم لكان صديقا نبيا [1] فظهر من قوله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) إنه لم يفهم من خاتم النبيين انقطاع النبوة بالكلية ، بل فهم عكس ذلك بأن نوعا من النبوة باق بعده ، ولأجل هذا قال في حق ابنه : " لو عاش لكان نبيا " . ولنا في رد هذا الكلام وجوه : 1 - الشك في ورود الحديث بهذا اللفظ ، ففي رواية أنه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قال في حق إبراهيم : " إن له ظئرا تتم رضاعه " [2] ، وفي رواية : أن له ظئرين يكملان رضاعه في الجنة [3] وقال : لو عاش لوضعت الجزية عن كل قبطي . وفي لفظ لا عتقت القبط . وفي لفظ مارق له خال . قال بعضهم : معناه لو عاش فرآه أخواله القبط لأسلموا فرجا به وتكرمة له فوضعت الجزية عنهم ، لأنها لا توضع على مسلم ، ومعنى الثاني : إذا أسلموا وهم أحرار لم يجر عليم الرق ، لأن الحر المسلم لا يجري عليه الرق .
[1] تهذيب تاريخ دمشق لابن عساكر ، ج 1 ، ص 296 . [2] الطبقات الكبرى لابن سعد ، دار التحرير ، ج 1 ، ص 90 . [3] الجامع الكبير ، الهيئة المصرية ، ج 2 ، ص 263 .