وروي أنّه ضرب أسواطاً بلغت منه ، فكاد أن يقرّ لعظيم الألم ، فسمع محمّد بن يونس بن عبد الرحمن وهو يقول : اتّق الله يا محمّد بن أبي عمير ، فصبر ففرج الله . وروي أنّه حبسه المأمون حتّى ولاّه قضاء بعض البلاد [1] .
وفي رواية الفضل بن شاذان : سعي بمحمّد بن أبي عمير - واسم أبي عمير زياد - إلى السلطان أنّه يعرف أسامي عامّة الشيعة بالعراق ، فأمر السلطان أن يسمّيهم ، فامتنع وعلّق بين القفازين - العقارين - وضرب مائة سوط ، قال الفضل : فسمعت ابن أبي عمير يقول : لمّا ضربت فبلغ الضرب مائة سوط أبلغ الضرب الألم إليّ ، فكدت أن أسمي ، فسمعت نداء محمّد بن يونس بن عبد الرحمن يقول : يا محمّد بن أبي عمير اُذكر موقفك بين يدي الله ، فتقوّيت بقوله ، فصبرت ولم أخبر والحمد لله ، قال الفضل : فأضرّ به في هذا الشأن أكثر من مائة ألف درهم [2] .
وهكذا كانوا يتوارثون العزّة والكرامة والاباء حتّى حفظوا تعاليم أهل البيت ( عليهم السلام ) وصانوها ، وقد جعلوا من أنفسهم درعاً حصينة لحمايتها ، الأمر الذي جعل للشيعة خطّاً فكريّاً مميّزاً في شتّى المعارف الدينيّة ، ومنهلها في ذلك الثقلان كتاب الله وعترة رسوله ( صلى الله عليه وآله ) .
وفي طليعة علماء الشيعة ومحقّقيها ، وممّن حملوا الأمانة باخلاص ، مؤلّف هذا الكتاب الشيخ يوسف البحراني ( رحمه الله ) ويكفي في التعريف بمقامه العلمي أن يقال : صاحب الحدائق ، والحدائق الناضرة كتاب هو موسوعة فقهيّة استدلاليّة ، تناول فيها بالبحث العلمي أغلب الأبواب الفقهيّة ، واتّسمت أبحاثه الفقهيّة بالتحقيق والدقّة والجرأة في ابداء النظر ، وقد أفاد منها الكثيرون ، وتناول العلماء من بعده

[1] معجم رجال الحديث 15 : 291 الطبعة الخامسة .
[2] نفس المصدر ص 294 .

24