أما رأيت ما جاء به صديقك ؟ ! لا والله ما ظننت أن علي بن موسى الرضا عليه السلام خاض في شئ من هذا قط ، ولا عرفناه أنه كان يتكلم بالمدينة أو يجتمع إليه أصحاب الكلام ! قلت : قد كان الحاج يأتونه فيسألونه عن أشياء من حلالهم وحرامهم فيجيبهم ، وربما كلم من يأتيه بحاجة . فقال محمد بن جعفر : يا أبا محمد إني أخاف عليه أن يحسده عليه هذا الرجل فيسمه ، أو يفعل به بلية ، فأشر عليه بالإمساك عن هذه الأشياء . قلت : إذاً لا يقبل مني ، وما أراد الرجل إلا امتحانه ليعلم هل عنده شئ من علوم آبائه ؟ فقال لي : قل له إن عمك قد كره هذا الباب ، وأحب أن تمسك عن هذه الأشياء لخصال شتى . فلما انقلبت إلى منزل الرضا عليه السلام أخبرته بما كان عن عمه محمد بن جعفر فتبسم عليه السلام ثم قال : حفظ الله عمي ما أعرفني به لم كره ذلك ؟ يا غلام صر إلى عمران الصابي فأتني به . فقلت : جعلت فداك أنا أعرف موضعه ، وهو عند بعض إخواننا من الشيعة ، قال : فلا بأس قربوا إليه دابة ، فصرت إلى عمران فأتيته به فرحب به ودعا بكسوة فخلعها عليه ، وحمله ودعا بعشرة آلاف درهم ، فوصله بها . قلت : جعلت فداك حكيت فعل جدك أمير المؤمنين عليه السلام ، قال : هكذا نحب ، ثم دعا بالعشاء فأجلسني عن يمينه وأجلس عمران عن يساره حتى إذا فرغنا ، قال لعمران : انصرف مصاحباً وبكر علينا ، نطعمك طعام المدينة . فكان عمران بعد ذلك يجتمع إليه المتكلمون من أصحاب المقالات فيبطل أمرهم ، حتى اجتنبوه ، ووصله المأمون بعشره آلاف درهم ، وأعطاه الفضل مالاً وحمله وولاه صدقات بلخ ، فأصاب الرغائب ) . انتهى . * * أقول : يظهر أن النوفلي وأبا الصلت الهروي والحسن بن الجهم وأمثالهم من العلماء ، الذين نقلوا مناظرات الإمام الرضا عليه السلام في مجلس المأمون مع أولئك العلماء والفلاسفة وغيرهم ، كانوا كتبوها أو كتبوا منها في المجلس ، لأن المناظرة كانت حدثاً وحديث الناس . وقد يكونوا نقلوها من حفظهم ، فإن ما ذكره العلماء في ترجماتهم خاصة النوفلي يدل على أنهم كانوا على درجة عالية من العلم والحفظ والفهم .