تعايشت المرجعية الشيعية عبر التاريخ مع الحكومات المختلفة ، من زمن العباسيين إلى الخلافة العثمانية وحكم القاجاريين في إيران ، لكن مع اتفاق المراجع على مشروعية التعايش ، كان يوجد فيهم اتجاهان : اتجاه إصلاحي ، يرى وجوب قيام المرجعية بحركة مطلبية من السلطة لأخذ حقوق الشيعة في الحرية المذهبية ، والشؤون الاجتماعية والمعيشية . واتجاه آخر ، يتخوف من دخول المرجعية في الأمور السياسية سواء كانت من نوع الثورة على السلطة ، أو من نوع الحركة المطلبية ، ويرى أن واجب المرجعية ينحصر في تبليغ الدين وحفظ معالمه ، وأن هذا هو الطريق الوحيد لحفظ التشيع ومواجهة الانحرافات الداخلية ، والغزو الثقافي الغربي . وكان هذا الاتجاه الذي سميناه ( الإنكماش الحضاري ) هو الغالب على تاريخ مراجعنا رضوان الله عليهم ، وحجتهم فيه أنه لا يمكن إقامة حكم إسلامي فلا يجب علينا ذلك ، بل يجب علينا المحافظة على هويتنا وهوية من يسمع كلامنا من الموالين المتدينين ، وأن ننكمش عن الذوبان في المحيط المخالف والثقافات الغازية ، ونكون فئة مسالمة تتعايش مع الأنظمة المختلفة ، لكنها تصر على ثقافتها وخصوصيتها ، إلى أن يشاء الله ، ويظهر حجته عليه السلام . لكن مراجعنا أصحاب نظرية الإنكماش الحضاري كان يتنازلون عنها في الهزات التي تواجه الأمة ، ومنها الغزو الغربي لبلاد الخلافة العثمانية ، حيث غلب منطق الدفاع عن بلاد المسلمين وبيضة الإسلام ، فأفتوا بالجهاد الدفاعي ، وخرجوا مع جمهورهم وعشائرهم إلى ساحات الجهاد ، وقاتلوا الإنكليز إلى جنب جيش الخلافة العثمانية ، وسطروا بطولات فيما سمي ب ( ثورة العشرين ) .