الاُمَناءِ عَلى حَلالِهِ وحَرامِهِ ، فَأَنتُمُ المَسلوبونَ تِلكَ المَنزِلَةَ ، وما سُلِبتُم ذلِكَ إلاّ بِتَفَرُّقِكُم عَنِ الحَقِّ ، وَاختِلافِكُم فِي السُّنَّةِ بَعدَ البَيِّنَةِ الواضِحَةِ !ولَو صَبَرتُم عَلَى الأَذى وتَحَمَّلتُمُ المَؤونَةَ في ذاتِ اللهِ ، كانَت أُمورُ اللهِ عَلَيكُم تَرِدُ ، وعَنكُم تَصدُرُ ، وإلَيكُم تَرجِعُ ؛ ولكِنَّكُم مَكَّنتُمُ الظَّلَمَةَ مِن مَنزِلَتِكُم ، وَاستَسلَمتُم أُمورَ اللهِ في أيديهِم ! يَعمَلونَ بِالشُّبُهاتِ ، ويَسيرونَ فِي الشَّهَواتِ ، سَلَّطَهُم عَلى ذلِكَ فِرارُكُم مِنَ المَوتِ ، وإعجابُكُم بِالحَياةِ الَّتي هِيَ مُفارِقَتُكُم ، فَأَسلَمتُمُ الضُّعَفاءَ في أيديهِم ؛ فَمِن بَينِ مُستَعبَد مَقهور ، وبَينِ مُستَضعَف عَلى مَعيشَتِهِ مَغلوب ، يَتَقَلَّبونَ فِي المُلكِ بِآرائِهِم ، ويَستَشعِرونَ الخِزيَ بِأَهوائِهِمُ ؛ اقتِداءً بِالأَشرارِ وجُرأَةً عَلَى الجَبّارِ ، في كُلِّ بَلَد مِنهُم عَلى مِنبَرِهِ خَطيبٌ يَصقَعُ .فَالأَرضُ لَهُم شاغِرَةٌ ، وأيديهِم فيها مَبسوطَةٌ ، وَالنّاسُ لَهُم خَوَلٌ ( 1 ) ، لا يَدفَعونَ يَدَ لامِس ، فَمِن بَينِ جَبّار عَنيد ، وذي سَطوَة عَلَى الضَّعَفَةِ شَديد ، مُطاع لا يَعرِفُ المُبدِئَ المُعيدَ ، فَيا عَجَباً ! ومالي ( لا ) أعجَبُ وَالأَرضُ مِن غاشٍّ غَشوم ، ومُتَصَدِّق ظَلوم ، وعامِل عَلَى المُؤمِنينَ بِهِم غَيرِ رَحيم ! فَاللهُ الحاكِمُ في ما فيهِ تَنازَعنا ، وَالقاضي بِحُكمِهِ في ما شَجَرَ بَينَنا !اللّهُمَّ إنَّكَ تَعلَمُ أنَّهُ لَم يَكُن ما كانَ مِنّا تَنافُساً في سُلطان ، ولاَ التِماساً مِن فُضولِ الحُطامِ ، ولكِن لِنُرِيَ المَعالِمَ مِن دينِكَ ، ونُظهِرَ الإِصلاحَ في بِلادِكَ ، ويَأمَنَ المَظلومونَ مِن عِبادِكَ ، ويُعمَلَ بِفَرائِضِكَ وسُنَنِكَ وأحكامِكَ ، فَإِن
1 . الخَوَل : حَشَم الرجُل وأتباعه ، واحدهم خائِل ( النهاية : 2 / 88 ) .