وأما قوله : { وخر راكعا وأناب } فالإنابة هي الرجوع ولما كان داود عليه السلام بما فعله راجعا إلى الله تعالى ، ومنقطعا إليه ، قيل فيه أنه أناب . . فأما قوله تعالى : { فغفرنا له ذلك } فمعناه ، فقبلنا منه ، وكتبنا له الثواب عليه ، فأخرج الجزاء على وجه المجازات . . . ولما كان المقصود في الاستغفار والتوبة ، إنما هو القبول قيل في جوابه ، فغفرنا لك أي فعلنا المقصود به ، كذلك لما كان الاستغفار على طريق الخضوع والعبادة المقصود به القربة والثواب قيل في جوابه : غفرنا مكان قبلنا . على أن من ذهب إلى أن دواد عليه السلام فعل صغيرة ، فلا بدّ من أن يحمل قوله تعالى { غفرنا } على غير اسقاط العقاب ، لأن العقاب قد سقط بما هناك من الثواب الكثير من غير استغفار ولا توبة ، ومن جوز على داود عليه السلام الصغيرة ، يقول إن استغفاره كان لأحد أمور : أحدهما : أن أوريا بن حنان لما أخرجه في بعض ثغوره قتل ، وكان داود عليه السلام عالما بجمال زوجته ، فمالت نفسه إلى نكاحها بعده ، فقل غمه بقتله لميل طبعه إلى نكاح زوجته ، فعوتب على ذلك بنزول الملكين من حيث حمله ميل الطبع على أن قلّ غمه بمؤمن قتل من أصحابه . . وثانيها : أنه روي أن امرأة خطبها أوريا بن حنان ليتزوجها وبلغ داود ( ع ) جمالها فخطبها أيضا فزوجها أهلها بداود ( ع ) وقدموه على أوريا وغيره ، فعوتب ( ع ) على الحرص على الدنيا ، بأنه خطب امرأة قد خطبها غيره حتى قدم عليه . وثالثها : أنه روي أن امرأة تقدمت مع زوجها إليه في مخاصمة بينهما من غير محاكمة ، لكن على سبيل الوساطة ، وطال الكلام بينهما وتردد ، فعرض داود ( ع ) للرجل بالنزول عن المرأة ، لا على سبيل الحكم لكن على سبيل التوسط والإستصلاح . . . فقدر الرجل أن ذلك حكم منه لا تعريض ، فنزل عنها وتزوجها داود ( ع ) ، فأتاه الملكان ينبهانه على التقصير في ترك تبيين مراده للرجل ، وأنه كان على سبيل العرض لا الحكم .