ولا يشك عاقل بأن هذا الذي كان عليه حال يوسف ( ع ) ، الذي وصفه العلامة الطباطبائي بالقول : " فكان مملوء الحس ، مستغرق النفس في مشاهدة ألطاف ربه الخفية ، يرى نفسه تحت ولاية الله محبورا بصنائعه الجميلة ، لا يرد إلا على خير ، ولا يواجه إلا جميلا . . فلم يزل يوسف ( ع ) تنجذب نفسه إلى جميل صنائع الله ويمعن قلبه في لطيف الإشارات إليه ، ويزداد كل يوم حبا بما يجده من شواهد الولاية ، ويشاهد أن ربه هو القائم على كل نفس بما كسبت ، وهو على كل شيء شهيد ، حتى تمكنت المحبة الإلهية منه ، واستقر الوله والهيمان في سرّه ، فكان همه في ربه ، لا يشغله عنه شاغل ، ولا يصرفه عنه صارف ، ولا طرفة عين ، وهذا بمكان من الوضوح لمن تدبر فيما تحكي عنه السورة من المحاورات كقوله : { معاذ الله إنه ربي } وقوله : { ما كان لنا أن نشرك بالله من شيء } وقوله : { إن الحكم إلا لله } وقوله : { أنت وليي في الدنيا والآخرة } وغير ذلك . . فهذا ما عند يوسف ( ع ) ، فقد كان شبحا ما وراءه إلا محبة إلهية أنسته نفسه ، وشغلته عن كل شيء ، وصورة معناها أنها خالصة أخلصها الله لنفسه فلم يشاركه فيه أحد " [1] . ثم يصف الطباطبائي ( قدس سره ) الموقف بين حال امرأة العزيز وحال يوسف ( ع ) فيقول : " فتى واله في حبّه ، وفتاة تائقة في غرامها اجتمعا في بيت خالية ، أما هي فمشغوفة بحب يوسف تريد أن تصرفه عن نفسه إلى نفسها وتتوسل إلى ذلك بتغليق الأبواب ، ومراودته عن نفسه ، والاعتماد على ما لها من العزّة والملك حيث تدعوه إلى نفسها بلفظ الأمر { هيت لك } لتقهره على ما تريده منه .