نام کتاب : الإمامة تلك الحقيقة القرآنية نویسنده : الدكتور زهير بيطار جلد : 1 صفحه : 350
اللسان ، إنما لو تجرد الإنسان في فهم المحكمات بدا له أن مثل ذلك الفهم تأول يمجه النص لا ينسجم معه . لذا فاختلاف الناس حول فهم نص قرآني لا يعني أنه من المتشابه ، بمقدار ما يعني أحيانا أن بعض الناس يتأولون بما تمليه عليهم مواقف مسبقة ألزموا أنفسهم بها ; علما بأننا في فهم أي نص قرآني يجب أن تلتزم عدة معايير ، منها ، صياغة النص ذاته من الناحية اللغوية والبلاغية ، روح الرسالة وغاياتها ، سياق الكتاب بحيث لا يكون تناقض بين ما نفهم من النص وبين أسس الرسالة وغاياتها من جهة ، وبينه وبين دلالات الكتاب ونصوصه الأخرى من جهة ثانية ، لذا وجب فهم النصوص المتعلقة بذات الموضوع فهما في سياق موضوعي واحد ، وهو ما سمي بالتفسير الموضوعي ( الشهيد محمد باقر الصدر ) . والقاعدة هي حمل النص القرآني على ظاهره ، ولا يخرج عن الظاهر إلا بدليل من كتاب أو سنة ، أو في حال تناقض الظاهر مع ثوابت العقيدة أو الشريعة ، أو مع ثوابت المعقولية ، على أن القرائن تعين في تحديد مسار الاتجاه التعبيري في نطاق المجازات والكنايات ، وهي قد تستفاد من النص ذاته أو من خارجه ، وأما ثوابت المعقولية فإنها تعني تحديدا : السببية ( لكل حادث سبب ومسبب ) والهدفية في الوجود ( في مقابل الغيبية ) ، ووحدة الهوية ( مثلا لا يكون الإنسان بشرا وإلها أو الشجرة حجرا في ذات الوقت ) ، والكل أكبر من الجزء ( أنظر الحاشية ) [1] بيد أن المحكمات مما لا
[1] هذا هو المفهوم الصحيح لمبدأ تحكيم العقل في بعض النصوص وليس أبدا ذلك السلوك الخطأ ، في رفض شئ لعدم استطاعة العقل إدراك مضمونه أو غايته ، لأن هذا العجز يعكس تقصير الإنسان ولا يعني عدم المعقولية ، كالقول ما الفائدة من الرجعة في آخر الزمان لإدانة أئمة الضلال أمام أئمة الحق ما دام أنهم سيلقون عقابهم يوم القيامة ؟ إن عدم فهم المبررات لا يصح سببا لإنكار الحادثة ، أو التشكيك بصحة الخبر ، ولا يصلح هذا أسلوبا في الاستدلال لدى الذين يلتزمون بالضرورات العلمية في البحث ، ولو قبلنا بمثل هذا السلوك المجافي للصواب ، فإنه حينئذ ينسحب على كثير من القضايا التي هي في علم الله ، كالملائكة والجن والعقوبة بالنار وغير ذلك من أمور كثيرة آمنا بها ، لأن النص القرآني أو النبوي جاء بها ، وهي في ذاتها ممكنة لعدم مخالفتها للمعقولية ، وتقصيرنا عن إدراك مبرراتها لا يكون سببا لإنكارها أو لاعتقاد بعدم صحتها ، على أنه لو تقدم الإنسان في المعارف لاستطاع فهم كثير منها ، كما أصبحنا اليوم نفهم عن حقيقة الزمن الكوني الذي أخبرنا به القرآن ، أو إمكانية وجود عوالم أخرى غير عالمنا التي أخبرنا عنها الإمام الصادق ( ع ) ، والأمثلة لا تحصى . ولذا لا يصح أن يقول لماذا أمات الله تعالى الذي مر بالقرية الخاوية على عروشها فقال من يحيي هذه بعد موتها ، فأماته مائة عام ثم بعثه ليريه البعث والقدرة الإلهية في ذلك ؟ ولا أن نقول : وكان بالإمكان أن يريه ذلك على شخص آخر ميت ، دون الحاجة إلى موته مائة عام أولا ؟ ومع أننا لو تبصرنا بالرجعة التي أشرنا إليها أعلاه ، والتي ثبتت بالنص المتواتر الذي لا يمكن مدافعته ، لوجدنا أنها تنطوي على تحقيق ما يجب أن يكون عليه الوجود الإنساني لولا أهواء البشر ، من أخذ الحق مجراه في الحياة الدنيا مهما طال الصبر ، مع كل ما ينطوي عليه الحق من مفاهيم العدل والخير والقيم الكبرى والطاعة لله ورد المظالم والحقوق ، وهي من هذه الجهة على علاقة بأهداف الرسالات الإلهية ، التي وجب اتباعها لكي تأخذ مجراها في الدنيا قبل الآخرة ، وأن تتحقق في الواقع لا أن تبقى في الحيز النظري ، وهي من هذه الناحية على علاقة بدور صاحب العصر ( ع ) في إقامة العدل الإلهي بعد أن تفلس البشرية وتلقي معاذيرها ، ولعل لها وجوها أخرى يعلمها الله ، وفي أي حال لا يجوز من حيث المبدأ مقاربة الأمور الغيبية بهذا الأسلوب ، ليدفعنا عجزنا عن تبريرها على مقاييسنا إلى إنكارها ، ولو قبلنا بمثل هذا النهج لكان مدخلا لإنكار كثير من العقائد الأخرى الثانوية والحالات الكثيرة المتصلة بالغيب والثابتة بالقرآن أو السنة الصحيحة ، وما هذا النهج من العقل بشئ .
350
نام کتاب : الإمامة تلك الحقيقة القرآنية نویسنده : الدكتور زهير بيطار جلد : 1 صفحه : 350