وقد ذكرنا ما يتعلق بذلك ولا نكرره ، وإِنّما نذكر هنا بعض الأَمثلة التي يؤاخذ الحنفية بسببها . فالحنفية وكل من يفتي ويجتهد في الأَحكام يتمسك بالبراءة من المؤاخذة على نفسه ، بما ورد في الرواية : « للمجتهد المصيب أَجران وللمخطئ أَجرٌ واحد » . وأَهل الحديث يمنعون من ذلك ويردّون ويبطلون كل رأي وكلّ نظر لم يتّخذ من الكتاب والسّنّة ، كما ستأتي الإِشارة إِلى ذلك في البحث عن الحيل التي أَخذها البخاري على الحنفية . نعم ! كلّ من يطعن في أَهل الرأي ويبطل آراءهم ينظر - في الأَغلب - إِلى الآراء المتخذة من الظنون والأَقيسة في الدين . قال ابن عبد البر : « الرأي المذموم هو القول في شرائع الدين بالاستحسان والظنون والاشتغال بحفظ المعضلات والأُغلوطات ، فاستعمل فيها الرأي قبل أَن تنزل ، وفرغت وشققت قبل أَن تقع ، وتكلم فيها قبل أَن تكون بالرأي المضارع للظن ، قالوا : ففي الإِشتغال بهذا تعطيل للسنن والبعث على جهلها » . [1] و لذلك كان الخصوم لأبي حنيفة قد شنّعوا عليه بأنَّه « أَجهل الناس بما كان ، و أَعلمهم بما لم يكن » . [2] و يستدلّون بقوله تعالى : ( يا أَيُّهَا الّذينَ آمَنُوا لا تَسْألُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ ) . [3] فأهل الحديث يسخرون من أَهل القياس والرأي كقولهم مثلاً : 1 - قال الشيخ وحيد الجباوي الحنفي في « رفيق الأَسفار » والشيخ حسن الشرنبلاني في « مراقي الفلاح ، شرح متن الإِيضاح » في معرض حديثه عن أَحق الناس
[1] جامع بيان العلم 2 : 148 . [2] المصدر السابق 2 : 158 . [3] المائدة 5 : 101 .