إقامة العبودية مجردا عن المعرفة التفصيلية للمعبود ، تكون عبوديته أشبه بعبودية سائر الموجودات بل أنزل منها بكثير ، إذ في وسع الإنسان معرفة معبوده تفصيلا بمقدار ما أعطي من المقدرة الفكرية التي لم يعطها غيره . فإن أريد من إدراك الربوبية إدراك كنه الذات فهو أمر محال ، ولم يدعه أحد . وإن أريد معرفة أسمائه وصفاته وأفعاله حسب المقدرة الإنسانية في ضوء الأقيسة المنطقية والكتاب والسنة الصحيحة القطعية فهذه وظيفة العقل . وجميعنا نرى أنه سبحانه يذم المشركين الذين لم يعرفوه حق معرفته - بما في وسع الإنسان - إذ يقول سبحانه : * ( ما قدروا الله حق قدره إن الله لقوي عزيز ) * [1] . وباختصار : لو كان الهدف هو معرفة كنه الذات الإلهية وحقيقة الصفات والأسماء ، كان ترك البحث متجها ، وإما إذا كان المقصود هو التعرف على ما هناك من الجمال والكمال ونفي ما ربما يتصور في الذات الإلهية من النقص والعجز ، فلا شك أن للعقل أن يطرق هذا المجال ، وفي مقدورة أن يصل إليه . الطرق الصحيحة إلى معرفة الله إن ذاته سبحانه وأسماءه وصفاته وأفعاله ، وإن كانت غير مسانخة لمدركات العالم المحسوس ، لكنها ليست على نحو يستحيل التعرف عليها بوجه من الوجوه . ومن هنا نجد أن الحكماء والمتكلمين يسلكون طرقا مختلفة للتعرف على ملامح العالم الربوبي ، وهم يرون أن ذلك العالم ليس على وجه لا يقع في أفق الادراك مطلقا ، بل هناك نوافذ على الغيب عقلية ونقلية ، يرى منها ذلك العالم الفسيح العظيم .