وما هو كذلك يكون متحققا إلزاما ، فكيف يوصف بالاختيار . ومبدأ الإشكال هنا هو أن مجموع الوجود الإمكاني معلول لوجود الواجب وإرادته ، فإرادته سبحانه هي العلة التامة لما سواه ومعه كيف يتصف بعض الوجود الإمكاني كأفعال الإنسان بالاختيار ؟ . فالإشكالان متحدان جوهرا ، مختلفان صورة وصياغة . ولكن الجواب عن كلا الإشكالين ، واحد ، ولكي يكون الجواب مناسبا لهذا التقرير نقول : إن فعل الإنسان إنما يتصف بالوجوب إذا نسب إلى جميع أجزاء العلة التامة المنتهية إلى الواجب وإرادته ، ومنها اختيار الإنسان وإرادته فإذا لوحظ الفعل بالنسبة إلى جميع أجزاء العلة التامة يوصف بالوجوب ، وهذا مما لا كلام فيه . إلا أن الكلام ملاحظة الفعل قبل اجتماع أجزاء العلة التامة كالإنسان قبل أن يريد ، فلا يوصف الفعل في هذه الحالة إلا بالإمكان ، وبما أن ذات الإنسان وإرادته من أجزاء العلة أولا ، وبما أن الإنسان فاعل مختار بالذات في إيجاد الجزء الأخير من العلة التامة - أعني الإرادة - فلا يكون الفعل بالنسبة إليه فعلا إيجابيا ، بل زمام الفعل بيده ، فله أن يوجد الإرادة وله أن يترك ، وقد تعلقت إرادته على اختياره أحد الطرفين باختيار ذاتي . وبذلك يظهر أن نسبة الفعل تختلف حسب اختلاف المنسوب إليه ، فلو نسب الفعل إلى مجموع أجزاء العلة التامة من الواجب سبحانه إلى إرادة العبد فالفعل متصف بالوجوب . وإن نسب إلى نفس الباري سبحانه مع حذف الوسائط والعلل فالنسبة تنقلب إلى الإمكان لعدم وجود العلة التامة . كيف ، وقد تعلقت مشيئته على صدور الفعل عن طريق العلل والأسباب . وإن لو حظ الفعل بالنسبة إلى نفس الإنسان بما أنه فاعل مختار بالذات في إيجاد الإرادة في ضميره وعدمه ، فالفعل فعل إمكاني ، اختياري .