وإلى أن الممكن لا يصح أن يكون خالقا لممكن آخر بالأصالة والاستقلال ومن دون الاستناد إلى خالق واجب ، أشار سبحانه بقوله : * ( أم خلقوا السماوات والأرض بل لا يوقنون ) * [1] . فهذه الآيات ونظائرها تستدل على المعارف العقلية ببراهين واضحة ولا تتركها بلا دليل . [2] سؤال وجواب السؤال : إن القول بانتهاء الممكنات إلى علة أزلية موجودة بنفسها ، غير مخلوقة ولا متحققة بغيرها ، يستلزم تخصيص القاعدة العقلية ، فإن العقل يحكم بأن الشئ لا يتحقق بلا علة . والواجب في فرض الإلهيين شئ متحقق بلا علة ، فلزم نقض تلك القاعدة العقلية . والجواب على وجوه : الأول : إن هذا السؤال مشترك بين الآلهي والمادي ، فكلاهما يعترف بموجود قديم غير متحقق بعلة . فالإلهي يرى ذلك الموجود فوق عالم المادة والإمكان ، وأن الممكنات تنتهي إليه . والمادي يرى ذلك الموجود ، المادة الأولى التي تتحول وتتشكل إلى صور وحالات ، فإنها عنده قديمة متحققة بلا علة . فعلى كل منهما تجب الإجابة عن هذا السؤال ولا يختص بالإلهي [3] .
[1] سورة الطور : الآية 36 . [2] كما أن فيها دلالة واضحة على أن التفكر المنطقي مما يتوخاه القرآن الكريم ويدعو البشرية إليه . ولو كانت الفلسفة بمعنى التفكر الصحيح والبرهنة المبتنية على المدعى ، فقد فتح بابها القرآن الكريم . [3] والعجب أن الفيلسوف الانكليزي " برتراند راسل " زعم اختصاصه بالإلهي وأن منهجه يستلزم وجود الشئ بلا علة وقد عرفت خلافه .