قال السيد الشريف في ( شرح المواقف ) : " إن المعتزلة استدلوا بوجوه كثيرة مرجعها إلى أمر واحد وهو أنه لولا استقلال العبد بالفعل على سبيل الاختيار لبطل التكليف ، وبطل التأديب الذي ورد به الشرع ، وارتفع المدح والذم ، إذ ليس للفعل استناد إلى العبد أصلا ، ولم يبق للبعثة فائدة ، لأن العباد ليسوا موجدين لأفعالهم ، فمن أين لهم استحقاق الثواب والعقاب " [1] . هذه هي النتائج المترتبة على أصلهم : استقلال العبد في أفعاله ، وعدم وجود الصلة بينه وبين الله سبحانه . ولأجل أن نقف على نصوص المعتزلة في هذا الباب نقتطف من شرح الأصول الخمسة لقاضي القضاة عبد الجبار بن أحمد شيخ المعتزلة في عصره المتوفى عام 415 ، عدة مقاطع : يقول : قد علم عقلا وسمعا فساد ما تقوله المجبرة الذين ينسبون أفعال العباد إلى الله تعالى وجملة القول في ذلك أن تصرفاتنا محتاجة إلينا ومتعلقة بنا لحدوثها . وعند جهم بن صفوان أنها لا تتعلق بنا ويقول إنما نحن كالظروف لها حتى إن خلق فينا كان ، وإن لم يخلق لم يكن . وعند ضرار بن عمرو أنها متعلقة بنا ومحتاجة إلينا ، لكن جهة الحاجة إنما هو الكسب وقد شارك جهما في المذهب وزاد عليه في الإحالة ( الكسب ) . وما ذكره جهم على فساده معقول وما ذكره هو غير معقول أصلا . فأما المتخلفون من المجبرة فقد قسموا التصرفات قسمين ، فجعلوا أحد القسمين متعلقا بنا وهو المباشر ، والقسم الآخر غير متعلق بنا وهو أحد القسمين متعلقا بنا وهو المباشر ، والقسم الآخر غير متعلق بنا وهو المتولد ( كالإحراق المتولد من إلقاء القرطاس في النار ) .
[1] شرح المواقف ، ج 8 ، ص 154 . ولاحظ الأسفار ج 6 ص 370 .