وأما الدليل على ثبوت اختيار ذاتي للنفس فيكفي في ذلك : أولا : قضاء الفطرة والبداهة بذلك فإن كل نفس ، كما تجد ذاتها حاضرة لديها فهكذا تجد كونها مختارة ، وأن سلطان الفعل والترك بيدها ، ولها أن تقدم على عمل وأن لا تقدم عليه ، ولا شئ أظهر عند النفس من هذا الاختيار ، وإن أنكره الإنسان فإنما ينكره باللسان وهو معتقد به . وثانيا : إن فاقد الكمال لا يكون معطيه فالنفس واجدة للاختيار في مقام الفعل ويعد فعلها فعلا اختياريا لأجل كونه مسبوقا بالإرادة . فمفيض الاختيار في مقام الفعل واجد له في مقام الذات . وهذا نظير ما يقال إن الصور التفصيلية الظاهرة في الضمير من أفعال النفس ، وهي واجدة لها في مقام الذات ، فمن كانت له ملكة علم النحو ثم سئل مسائل كثيرة فأجاب عنها واحدة بعد الأخرى بأجوبة تفصيلية فهي كانت موجودة في صميم الملكة وذات النفس بوجود بسيط إجمالي ، لا بوجود تفصيلي . وهذا يدلنا على أن كل ما يظهر للنفس في مقام الفعل والتفصيل ، ومنه الاختيار ، فهي واجدة له في مقام الذات بوجه بسيط إجمالي مناسب لمقام الذات . إذا عرفت ذلك فنحن في غنى عن إيضاح الجواب ولعل ما ذكرناه هو مقصود صاحب المحاضرات كما نقلنا عنه . ولكنه دام ظله يصر على أمر لا دخالة له في الإجابة وهو أنه ليست الإرادة علة تامه للفعل بل الفعل على الرغم من وجوده وتحققه يكون تحت اختيار النفس وسلطانها ، ولو كانت الإرادة علة تامة لحركة العضلات ومؤثرة فيها لم يكن للنفس تلك السلطنة وكانت عاجزة عن التأثير فيها مع فرض وجودها . أقول : لو كانت الإرادة علة تامة للفعل ، أو كانت جزءا أخيرا من العلة التامة كما هو الحق بحيث يكون تحقق الفعل معها ضروريا ، فلا ينافي ذلك سلطان النفس واختيارها قبل الإرادة ، إذ لها أن تتأمل فيما يترتب على الفعل والإرادة من الآثار السيئة ولا تريدها ، ولكنها باختيارها أوجدت الإرادة وحققتها ، ومعها وجب صدور الفعل من النفس . ومثل هذا لا يوجب خروج