وعلى ضوء ذلك فالحكم الذي يوحى إلى الأنبياء ، تارة يكون ظاهرا في الاستمرار والدوام ، مع أنه في الواقع له غاية وحد يعينه بخطاب آخر . وأخرى يكون ظاهرا في الجد مع أنه لا يكون جديا واقعا ، بل لمجرد الاختيار والابتلاء . وثالثة يوحى إليهم بالإخبار بوقوع عذاب لحكمة في هذا الإخبار ، ومع ذلك لا يقع . هذه هي الجهات التي يمكن أن تكون مصدرا لعلمه واطلاعه . والكل يرجع إلى وقوفه على المقتضيات وعدم وقوفه على العلة التامة . فلأجل ذلك صح له أن يخبر عن التقدير الأول لأجل وجود المقتضى ، ولو اطلع على العلة التامة لأخبر عن التقدير الثاني . ولا بعد في أن يخفي تعالى على نبيه شرائط التقدير الأول وموانعه لأجل مصالح يعملها الله سبحانه . فقد كان هناك مصلحة في الإخبار عن تحقق ذبح إسماعيل ، ونزول العذاب إلى قوم يونس ، وكون الميقات ثلاثين يوما ، وأن العروس واليهودي يقتلان . فلله سبحانه في إخباره وإظهاره حكم ومصالح نقف على بعضها ولا نحيط بجملتها . هذا كله حول مصدر علم النبي في إخباره . وأما الثاني ، وهو أن إخبار بشئ وعدم وقوعه يعد في نظر الناس تكذيبا للنبي . فنقول : إن المغيبات التي وقع فيها البداء إنما توجب معرضية الأنبياء لوصمة الكذب والتقول بالخلاف إذا لم يكن هناك قرائن تدل على صدق مقالهم ، ولذلك نرى أن عيسى ( عليه السلام ) لما أخبر أصحابه بأن العروس ستهلك ، برهن على صدق مقاله بإراءة الأفعى تحت مجلسها كما أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) برهن على صدق إخباره بهلاك اليهودي بالأمر بوضع الحطب فإذا أسود في جوف الحطب عاض على عود . ونظيره قصة إبراهيم ، فإن في التفدية بذبح عظيم دلالة على صدق ما أخبر به الخليل من الرؤيا . كما أن الحال كذلك في قصة يونس حيث أخبر عن العذاب ، وقد رأى القوم طلائعه ، فقال لهم العالم : إفزعوا إلى الله