إن برهان النظم مركب من مقدمتين ، إحداهما حسية والأخرى عقلية ودور الحس ينحصر في إثبات الموضوع ، أي وجود النظام في الكون والسنن السائدة عليه ، وأما دور العقل فهو يرجع إلى أن هذا النظام بالكيفية والكمية المحددة ، لا يمكن أن يكون نتيجة الصدفة أو أي عامل فاقد للشعور . أما الصغرى ، فلا تحتاج إلى البيان ، فإن جميع العلوم الطبيعية متكفلة ببيان النظم البديعة السائدة على العالم من الذرة إلى المجرة ، وإنما المهم هو بيان الكبرى ، وهي قضاء العقل بأنه وليد دخالة عقل كبير في حدوثه من دون استعانة في حكمه بمسألة التشابه أو التجربة . بل يستقل به مجردا عن كل ذلك فنقول : 1 - الارتباط المنطقي بين النظام ودخالة الشعور إن العقل يحكم بوجود رابطة منطقية بين النظم ودخالة الشعور ، وذلك لأن النظم ليس في الحقيقة إلا أمور ثلاثة : 1 - الترابط بين أجزاء متنوعة مختلفة من حيث الكمية والكيفية . 2 - ترتيبها وتنسيقها بنحو يمكن التعاون والتفاعل فيما بينها . 3 - الهادفية إلى غاية مطلوبة ومتوخاة من ذلك الجهاز المنظم . والنظام بهذا المعنى موجود في كل أجزاء الكون من ذرته إلى مجرته ، فإذا نظر العقل في كل جوانب الكون ابتداء من الذرة ومرورا بالإنسان والحيوان والنبات وانتهاء بالنجوم والكواكب والمجرات ورأى فيها أجزاء مختلفة في الكمية والكيفية أولا ، ومنسقة ومرتبة بنحو خاص ثانيا ، ورأى كيف يتحقق بذلك الهدف المنشود من وجودها ثالثا ، حكم من فوره بأن ذلك لا يمكن أن يصدر إلا من فاعل عاقل ، وخالق هادف شاعر ، يوجد الأجزاء المختلفة كما وكيفا ، ويرتبها وينسقها بحيث يمكن أن تتفاعل فيما بينها وتتعاون لتحقيق الهدف المطلوب من وجودها .