إذا عرفت ذلك فاعلم أن الألم على وجه الاطلاق منفي عنه سبحانه ، أما الألم المزاجي فلما عرفت ، وأما الألم العقلي فلأنه إدراك المنافي من حيث هو مناف . وهو مستحيل عليه سبحانه ، إذ لا منافي له لأن جميع ما عداه لوازم ومعلولات له ، والكل في قبضة قدرته ، مجتمع معه ، غير مناف له . وأما اللذة العقلية فإن بعض الحكماء نسبوها إلى الله تبارك وتعالى قائلين بأنه مدرك لأكمل الموجودات . وهي ذاته فيكون متلذذا . وبعبارة أخرى : إن واجب الوجود الذي هو في غاية الجمال والكمال والبهاء ، إذا عقل ذاته فقد عقل أتم الموجودات وأكمل الأشياء ، فيكون أعظم مدرك لأجل مدرك بأتم إدراك . هذا ما عليه الحكماء . ولكن المتكلمين منعوا من توصيفه سبحانه باللذة على وجه الاطلاق مزاجيا كان أو عقليا ، ولعل عذرهم في ذلك كون أسمائه وصفاته أمرا توقيفيا . أقول : لا شك إن إطلاق الملتذ على الله سبحانه لا يجتمع مع القول بتوقيفية أسمائه وصفاته ، وأما كونه مبتهجا بذاته ابتهاجا عقليا لإدراكه أتم الموجودات ، وملتذا في ظله ، فليس شئ يمنع منه . وإن الحقيقة شئ والتسمية شئ آخر .