نعم ، ربما يتوهم القاصر ، دلالة الآيتين التاليتين على كونه سبحانه في السماء وأنه في جهة ، وهما قوله سبحانه : * ( أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض فإذا هي تمور * أم أمنتم من في السماء أن يرسل عليكم حاصبا فستعلمون كيف نذير ) * [1] ولكن المتأمل فيما تقدمهما من الآيات يخرج بغير هذه النتيجة فإنه سبحانه يقول قبلهما : * ( هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور ) * [2] . فهذه الآية تذكر نعمة الله سبحانه على أهل الأرض ببيان أنه جعل الأرض ذلولا فسهل سلوكها ، وهيأ لهم رزقه فيها ، وعند ذلك ينتقل في الآية الثانية إلى ذكر أن وفرة النعم على البشر يجب أن لا تكون سببا للغفلة والتمادي والعصيان ، فليس من البعيد أن يخسف الأرض بهم ، فإذا هي تمور وتتحرك وترتفع فوقهم كما ليس من البعيد أن ينزل عليهم ريحا حاصبا ترميهم بالحصباء . فعند ذلك ، عند معانيه العذاب ، يخرجون من الغفلة ويعرفون الحق ، وهذا هو هدف الآيات الثلاث . وأما التعبير ب * ( من في السماء ) * فيحتمل أن يراد منه من سلطانه وقدرته في السماء ، لأنه مسكن ملائكته واللوح المحفوظ ومنها تنزل قضاياه وكتبه وأوامره ونواهيه . كما أن منها ينزل رزق البشر ، وفيها مواعيده : * ( وفي السماء رزقكم وما توعدون ) * فيصح التعبير بمن في السماء عن سلطانه وقدرته وكتبه وأوامره ونواهيه . كما يحتمل أن يكون الكلام حسب اعتقادهم ، بمعنى أأمنتم من تزعمون أنه في السماء أن يعذبكم بخسف أو بحاصب ، كما تقول لبعض المشبهة : " أما تخاف من فوق العرش أن يعاقبك بما تفعل " .
[1] سورة الملك : الآيتان 16 - 17 . [2] سورة الملك : الآية 15 .