وعلى هذا فالحاكمية خاصة بالله سبحانه وهي منحصرة فيه وتعد من مراتب التوحيد ولك أن تستظهر هذه الحقيقة من الآيات التالية : * ( إن الحكم إلا لله يقص الحق وهو خير الفاصلين ) * [1] . * ( ألا له الحكم وهو أسرع الحاسبين ) * [2] . * ( له الحمد في الأولى والآخرة وله الحكم وإليه ترجعون ) * [3] . هذا من جانب ، ومن جانب آخر إن وجود الحكومة في المجتمع أمر ضروري . والمراد الحكومة التي تصون الحريات الفردية إلى جانب المصالح الاجتماعية ، وتسعى إلى تنظيم الطاقات وتنمية المواهب ، وتوقف أبناء المجتمع على واجباتهم ، وتجري القوانين والسنن الإلهية والبشرية . ومن المعلوم أن تجسيم الحكومة وتجسيدها في الخارج وممارسة الإمرة ليس من شأنه سبحانه بل هو شأن من يماثل المحكوم في الجنس والنوع ويشافهه ويقابله مقابلة الإنسان للإنسان . وعلى ذلك ، فوجه الجمع بين حصر الحاكمية في الله سبحانه ولزوم كون الحاكم والأمير بشرا كالمحكوم ، هو لزوم كون من يمثل مقام الإمرة مأذونا من جانبه سبحانه لإدارة الأمور والتصرف ، في النفوس والأموال ، وأن تكون ولايته مستمدة من ولايته سبحانه ومنبعثة منها ولولا ذلك لما كان لتنفيذ حكمه جهة ولا دليل . وإن شئت قلت ، إن المقصود هو حصر الولاية التي تنبعث منها الحاكمية في الله سبحانه ، لا حصر الإمرة والتصدي لتنظيم البلاد ، وإقرار الأمن في المجتمع . فالولاية وحق الحاكمية له سبحانه ، وعلى ضوء ذلك يجب أن يكون المتمثل بها منصوبا من قبله سبحانه باسمه الخاص أو بوصفه المخصوص .
[1] سورة الأنعام : الآية 57 . [2] سورة الأنعام : الآية 62 . [3] سورة القصص : الآية 70 .