وهذه الأمور الثلاثة إذا قورنت بقوله سبحانه : * ( قل الله خالق كل شئ وهو الواحد القهار ) * [1] ، الذي يدل على بسط فاعليته وعليته على كل شئ ، يستنتج أن النظام الامكاني على اختلاف هوياته وأنواعه فعال ومؤثر في آثاره ، لكن بتقديره سبحانه ومشيئته وإذنه وهو القائل جل وعلا : * ( الذي أعطى كل شئ خلقه ثم هدى ) * [2] وقال تعالى : * ( والذي قدر فهدى ) * [3] . فتنتهي وجودات هذه الأشياء وأعمالها وآثارها وحركاتها وسكناتها إلى قضائه وتقديره وهدايته وإجراء الأسباب في النظام الإمكاني . فعلى هذا فالأشياء في جواهرها وذواتها وحدود وجودها وخصوصياتها تنتهي إلى الخلقة الإلهية ، كما أن أفعالها التي تصدر عنها في ظل تلك الخصوصيات تنتهي إليه أيضا وليس العالم ومجموع الكون إلا مجموعة متوحدة ، يتصل بعضها ببعض ، ويتلاءم بعضها مع بعض ، ويؤثر بعضها من بعض ، والله سبحانه وراء هذا النظام ومعه وبعده ، لا خالق ولا مدبر ، حقيقة وبالأصالة ، إلا هو ، كما لا حول ولا قوة إلا بالله . وبهذه النظرية - أي نظرية كون العالم مخلوقا على النظام السببي والمسببي وأن فيه فواعل اضطرارية كما أن فيه فواعل اختيارية - تتناسق الأمور الثلاثة وتتوحد نتائجها ، وهذا بخلاف ما قلناه في النظرية الأولى ، فإنها توجب التضاد بين الأمور الثلاثة المسلمة . النظام الإمكاني نظام الأسباب والمسببات إن الامعان في الآيات الكريمة يدفع الإنسان إلى القول بأن الكتاب العزيز يعترف بأن النظام الإمكاني نظام الأسباب والمسببات ، فلأجل ذلك ينسب الفعل الواحد إلى الله سبحانه وفي الوقت نفسه إلى غيره من دون أن يكون هناك تضاد في النسبة .
[1] سورة الرعد : الآية 16 . [2] سورة طه : الآية 50 . [3] سورة الأعلى : الآية 3 .