والأنابيب وغيرها من لوازم البناء ، ثم وضع نصف ما في هذا المخزن تحت تصرف أحد المهندسين أو المعماريين ، لينشئ به عمارة ذات طوابق متعددة على أرض منبسطة . وبعد فترة من الزمن جاء سيل جارف وجرف ما تبقى في المخزن من مواد الانشاء وتركها على شكل تل على وجه الأرض . إن العمل الأول ( العمارة ) قد نتج عن عمل وإرادة مهندس عالم . أما الثاني ( التل ) فقد حدث بالفعل الطبيعي للسيل من دون إرادة وشعور . فالعقلاء بمختلف مراتبهم وقومياتهم وعصورهم يحكمون بعقلانية صانع العمارة ، ومدى قوة إبداعه في البناء ، من وضعه الأعمدة في أماكنها المناسبة وإكسائه الجدران بالمرمر ، ونصبه الأبواب في مواضعها الخاصة ، ومده الأسلاك وأنابيب المياه الحارة والباردة ووصلها بالحمامات والمغاسل ، وغير ذلك مما يتبع هندسة خاصة ودقيقة . ولكن عندما نخرج إلى الصحراء كي نشاهد ما صنعه السيل ، فغاية ما نراه هو انعدام النظام والترتيب فالحجر والمرمر قد اندثر تحت الطين والتراب ، والقضبان الحديدية قد طرحت إلى جانب ، والأسلاك تراها مقطعة بين قطعات الآجر ، والأبواب مرمية هنا وهناك ، وغير ذلك من معالم الفوضى والتبعثر . وبشكل عام ، إن المعدوم من هذا الحشد هو النظام والمحاسبة ، إذ لا هندسة ولا تدبر . فالذي يستنتج أن المؤسس للبناء ذو عقل وحكمة ، والمحدث للتل فاقد لهما ، فالمهندس ذو إرادة والسيل فاقد له ، والأول نتاج عقل وعلم ، والثاني نتاج تدفق الماء وحركته العمياء .