الآخرة " [1] . كل ذلك يعرب عن أن رابطة الجزاء مع الإنسان رابطة العلية والمعلولية . فالإنسان بوجوده علة لجزائه ، إما بخلقه وإيجاده أو كونه زارعا في هذه الدنيا زرعا يحصد جناه في الآخرة ، وليس بينه وبين حرثه انفكاك . فإذا كانت الرابطة بهذه الصورة ( العلية والمعلولية ) لم يكن للسؤال مجال . نعم ، لا يصح لمتشرع ملم بالكتاب والسنة أن يحصر النعمة والنقمة في هذين القسمين وينكر جنة مفصولة أو عذابا كذلك عن وجود الإنسان وعمله ، فإن الظاهر أن لكل من الجنة والنار وجودين مستقلين يرد إليهما الإنسان حسب أعماله . ومع ذلك كله ، لا مانع من أن يكون هناك تعذيب أو تنعيم بأحد المعنيين الماضيين . ولما كان الإشكال عقليا ، كفى في رفعه ما ذكرنا من الوجهين . وأما الجواب عن السؤال الثاني فنقول : إن ما ذكر من السنة العقلية من التطابق بين الجرم والعقوبة كما وكيفا ، إنما يرتبط بالعقوبات الجعلية ، وأما إذا كانت العقوبة أثرا وضعيا للعمل فلا نجد تلك المطابقة في الكم ولا في الكيف . فالسائق الغافل لحظة واحدة ربما يتحمل خسارات نفسية ومالية تدوم مدة عمره . والإنسان الذي يستر بذرة شوك أو بذرة ورد تحت التراب ، يحصد الأشواك والورود ما دام العمر ، فالعمل كان آنيا والنتيجة دائمية ، فليست المعادلة محفوظة بين العمل وثمرته .