بعدم خلق القرآن وقدمه والتجأوا إلى أن المراد من كلام الله تعالى ليس هو القرآن المقروء بل الكلام النفسي ، وقد عرفت مدى صحة القول بالكلام النفسي [1] . وعلى كل تقدير فالقول بقدم الكلام النفسي ليس بمنزلة القول بقدم القرآن المقروء . 5 - كيف يكون القول بخلق القرآن وحدوثه ملاكا للكفر مع أنه سبحانه يصفه بأنه محدث أي أمر جديد ؟ قال سبحانه : * ( اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون ، ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث إلا استمعوه وهم يلعبون ) * [2] . والمراد من الذكر هو القرآن الكريم لقوله سبحانه : * ( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ) * ( 2 ) . وقال سبحانه * ( وإنه لذكر لك ولقومك ) * ( 4 ) . والمراد من " محدث " هو الجديد ، وهو وصف للذكر . ومعنى كونه جديدا أنه أتاهم بعد الإنجيل . كما أن الإنجيل جديد لأنه أتاهم بعد التوراة . وكذلك بعض سور القرآن وآياته ذكر جديد أتاهم بعد بعض . وليس المراد كونه محدثا من حيث نزوله ، بل المراد كونه محدثا بذاته بشهادة أنه وصف ل " ذكر " . فالذكر بذاته محدث ، لا بنزوله فلا معنى لتوصيف المحدث بالذات بكونه من حيث النزول ( 5 ) . وكيف يمكن القول بقدم القرآن مع أنه سبحانه يقول في حقه : * ( ولئن شئنا لنذهبن بالذي أوحينا إليك ، ثم لا تجد لك به علينا وكيلا ) * ( 6 ) ، فهل
[1] ليس هذا أول مورد تقوم فيه الأشاعرة لإصلاح عقيدة أهل الحديث ، بل قامت بذلك في عدة موارد بهدف إخراجها في قالب يقبله العقل . [2] سورة الأنبياء : الآية 1 - 2 . ( 3 ) سورة الحجر : الآية 9 . ( 4 ) سورة الزخرف : الآية 44 . ( 5 ) لتقدم ما بالذات على ما بالعرض . ( 6 ) سورة الإسراء : الآية 86 .